لسان العرب،

ابن منظور (المتوفى: 711 هـ)

[فصل الكاف]

صفحة 709 - الجزء 1

  ما انْثَنى، وما جَبُنَ، وما رَجَعَ؛ وكذلك حَمَلَ فما هَلَّلَ؛ وحَمَلَ ثم كَذَّبَ أَي لم يَصْدُقِ الحَمْلَة؛ قال زهير:

  لَيْثٌ بِعَثَّرَ يَصْطَادُ الرجالَ، إِذا ... ما الليثُ كَذَّبَ عن أَقْرانه صَدَقا

  وفي حديث الزبير: أَنه حمَلَ يومَ اليَرْمُوكِ على الرُّوم، وقال للمسلمين: إِن شَدَدْتُ عليهم فلا تُكَذِّبُوا أَي لا تَجْبُنُوا وتُوَلُّوا.

  قال شمر: يقال للرجل إِذا حَملَ ثم وَلَّى ولم يَمْضِ: قد كَذَّبَ عن قِرْنه تَكْذيباً، وأَنشد بيت زهير.

  والتَّكْذِيبُ في القتال: ضِدُّ الصِّدْقِ فيه.

  يقال: صَدَقَ القِتالَ إِذا بَذَلَ فيه الجِدُّ.

  وكَذَّبَ إِذا جَبُن؛ وحَمْلةٌ كاذِبةٌ، كما قالوا في ضِدِّها: صادقةٌ، وهي المَصْدوقةُ والمَكْذُوبةُ في الحَمْلةِ.

  وفي الحديث: صَدَقَ اللَّه وكَذَبَ بَطْنُ أَخِيك؛ اسْتُعْمِلَ الكَذِبُ ههنا مجازاً، حيث هو ضِدُّ الصِّدْقِ، والكَذِبُ يَخْتَصُّ بالأَقوال، فجعَل بطنَ أَخيه حيث لم يَنْجَعْ فيه العَسَلُ كَذِباً، لأَنَّ اللَّه قال: فيه شفاء للناس.

  وفي حديث صلاةِ الوِتْرِ: كَذَبَ أَبو محمد أَي أَخْطأَ؛ سماه كَذِباً، لأَنه يُشْبهه في كونه ضِدَّ الصواب، كما أَن الكَذِبَ ضدُّ الصِّدْقِ، وإِنِ افْتَرَقا من حيث النيةُ والقصدُ، لأَن الكاذبَ يَعْلَمُ أَن ما يقوله كَذِبٌ، والمُخْطِئُ لا يعلم، وهذا الرجل ليس بمُخْبِرٍ، وإِنما قاله باجتهاد أَدَّاه إِلى أَن الوتر واجب، والاجتهاد لا يدخله الكذبُ، وإِنما يدخله الخطَأُ؛ وأَبو محمد صحابي، واسمه مسعود بن زيد؛ وقد استعملت العربُ الكذِبَ في موضع الخطإِ؛ وأَنشد بيت الأَخطل:

  كَذَبَتْكَ عينُكَ أَم رأَيتَ بواسِطٍ

  وقال ذو الرمة:

  وما في سَمْعِه كَذِبُ

  وفي حديث عُرْوَةَ، قيل له: إِنَّ ابن عباس يقول إِن النبي، ، لَبِثَ بمكة بِضْعَ عَشْرَةَ سنةً، فقال: كَذَبَ، أَي أَخْطَأَ.

  ومنه قول عِمْرانَ لسَمُرَة حين قال: المُغْمَى عليه يُصَلِّي مع كل صلاةٍ صلاةً حتى يَقْضِيَها، فقال: كَذَبْتَ ولكنه يُصَلِّيهن معاً، أَي أَخْطَأْتَ.

  وفي الحديث: لا يَصْلُحُ الكذِبُ إِلا في ثلاث؛ قيل: أَرادَ به مَعارِيضَ الكلام الذي هو كَذِبٌ من حيث يَظُنُّه السامعُ، وصِدْقٌ من حيثُ يقوله القائلُ، كقوله: إِنَّ في المَعاريض لَمَنْدوحةً عن الكَذِب، وكالحديث الآخر: أَنه كان إِذا أَراد سفراً ورَّى بغيره.

  وكَذَبَ عليكم الحجُّ، والحجَّ؛ مَنْ رَفَعَ، جَعَلَ كَذَبَ بمعنى وَجَبَ، ومَن نَصَبَ، فعَلى الإِغراءِ، ولا يُصَرَّفُ منه آتٍ، ولا مصدرٌ، ولا اسم فاعل، ولا مفعولٌ، وله تعليلٌ دقيق، ومعانٍ غامِضةٌ تجيءُ في الأَشعار.

  وفي حديث عمر، ¥: كَذَبَ عليكم الحجُّ، كَذَبَ عليكم العُمْرةُ، كَذَبَ عليكم الجِهادُ، ثلاثةُ أَسفارٍ كَذَبْنَ عليكم؛ قال ابن السكيت: كأَن كَذَبْنَ، ههنا، إِغْراءٌ أَي عليكم بهذه الأَشياءِ الثلاثة.

  قال: وكان وجهُه النصبَ على الإِغراءِ، ولكنه جاءَ شاذاً مرفوعاً؛ وقيل معناه: وَجَبَ عليكم الحجُّ؛ وقيل معناه: الحَثُّ والحَضُّ.

  يقول: إِنَّ الحجَّ ظنَّ بكم حِرصاً عليه، ورَغبةً فيه، فكذَبَ ظَنُّه لقلة رغبتكم فيه.

  وقال الزمخشري: معنى كَذَبَ عليكم الحجُّ على كلامَين: كأَنه قال كَذَب الحجُّ عليكَ الحجُّ أَي ليُرَغِّبْك الحجُّ؛ هو واجبٌ عليك؛ فأَضمَر الأَوَّل لدلالة الثاني عليه؛ ومَن نصب الحجَّ،