لسان العرب،

ابن منظور (المتوفى: 711 هـ)

[فصل الفاء]

صفحة 527 - الجزء 13

  مَجْهورة منقوصة، وأَجاز أَبو علي فيها وجهاً آخرَ، وهو أَن تكون الواوُ في فمَوَيْهِما لاماً في موضع الهاء من أَفْواه، وتكون الكلمة تَعْتَفِبُ عليها لامانِ هاءٌ مرة وواوٌ أُخرى، فجرى هذا مَجْرى سَنةٍ وعِضَةٍ، أَلا ترى أَنهما في قول سيبويه سَنَوات وأَسْنَتُوا ومُساناة وعِضَوات واوانِ؟ وتَجِدُهما في قول من قال ليست بسَنْهاء وبعير عاضِه هاءين، وإذا ثبت بما قدَّمناه أَن عين فَمٍ في الأَصل واوٌ فينبغي أَن تقْضِيَ بسكونها، لأَن السكون هو الأَصل حتى تَقومَ الدلالةُ على الحركةِ الزائدة.

  فإن قلت: فهلَّا قضَيْتَ بحركة العين لِجَمْعِك إياه على أَفْواه، لأَن أَفْعالاً إنما هو في الأَمر العامّ جمعُ فَعَلٍ نحو بَطَلٍ وأَبْطالٍ وقَدَمٍ وأَقْدامٍ ورَسَنٍ وأَرْسانٍ؟ فالجواب: أَن فَعْلاً مما عينُه واوٌ بابُه أَيضاً أَفْعال، وذلك سَوْطٌ وأَسْواطٌ، وحَوْض وأَحْواض، وطَوْق وأَطْواق، ففَوْه لأَن عينَه واوٌ أَشْبَه بهذا منه بقَدَمٍ ورَسَنٍ.

  قال الجوهري: والفُوه أَصلُ قولِنا فَم لأَن الجمع أَفْواه، إلا أَنهم استثقلوا اجتماعَ الهاءين في قولك هذا فُوهُه بالإِضافة، فحذفوا منه الهاء فقالوا هذا فُوه وفُو زيدٍ ورأَيت فا زيدٍ، وإذا أَضَفْتَ إلى نفسك قلت هذا فِيَّ، يستوي فيه حالُ الرفع والنصبِ والخفضِ، لأَن الواوَ تُقُلَبُ ياءً فتُذْغَم، وهذا إنما يقال في الإِضافة، وربما قالوا ذلك في غير الإِضافة، وهو قليل؛ قال العجاج:

  خالَطَ، مِنْ سَلْمَى، خياشِيمَ وفا ... صَهْباءَ خُرْطوماً عُقاراً قَرْقَفَا

  وصَفَ عُذوبةَ ريقِها، يقول: كأَنها عُقارٌ خالَط خَياشِيمَها وفاها فكَفَّ عن المضاف إليه؛ قال ابن سيده: وأَما قول الشاعر أَنشده الفراء:

  يا حَبَّذَا عَيْنا سُلَيْمَى والفَما

  قال الفراء: أَراد والفَمَانِ يعني الفمَ والأَنْفَ، فثَنَّاهُما بلفظ الفمِ للمُجاوَرةِ، وأَجاز أَيضاً أَن يَنْصِبَه على أَنه مفعول معَه كأَنه قال مع الفم؛ قال ابن جني: وقد يجوز أَن يُنصَب بفعل مضمر كأَنه قال وأُحِبُّ الفمَ، ويجوز أَن يكون الفمُ في موضع رفع إلا أَنه اسم مقصورٌ بمنزلة عَصاً، وقد ذكرنا من ذلك شيئاً في ترجمة فمم.

  وقالوا: فُوك وفُو زيدٍ، في حدِّ الإِضافة وذلك في حد الرفع، وفا زيدٍ وفي زيدِ في حدِّ النصب والجر، لأَن التنوين قد أُمِنَ ههنا بلزوم الإِضافة، وصارت كأَنها من تمامه؛ وأَما قول العجاج:

  خالطَ مِنْ سَلْمَى خَياشِيمَ وفا

  فإنه جاءَ به على لغة من لم ينون، فقد أُمِنَ حذْف الأَلف لالتقاء الساكنين كما أُمِنع في شاةٍ وذا مالٍ، قال سيبويه: وقالوا كلَّمْتُه فاه إلى فِيَّ، وهي من الأَسماء الموضوعة مَوْضِعَ المصادر ولا ينفردُ مما بعده، ولو قلتَ كلَّمتُه فاه لم يَجُزْ، لأَنك تُخْبِر بقُرْبِك منه، وأَنك كلَّمْتَه ولا أَحَدَ بينك وبينَه، وإن شئت رفعت أَي وهذه حالُه.

  قال الجوهري: وقولهم كلَّمتُه فاه إلى فِيَّ أَي مُشافِهاً، ونصْبُ فاه على الحال، وإذا أَفْرَدُوا لم يحتمل الواوُ التنوين فحذفوها وعوَّضوا من الهاءِ ميماً، قالوا هذا فمٌ وفَمَانِ وفَمَوان، قال: ولو كان الميمُ عِوَضاً من الواو لما اجتمعتا، قال ابن بري: الميمُ في فَمٍ بدلٌ من الواو، وليست عِوَضاً من الهاءِ كما ذكره الجوهري، قال: وقد جاء في الشعر فَماً مقصور مثل عصاً، قال: وعلى ذلك جاء تثنيةُ فَمَوانِ؛ وأَنشد:

  يا حَبَّذا وَجْه سُلَيْمى والفَما ... والجِيدُ والنَّحْرُ وثَدْيٌ قد نَما