لسان العرب،

ابن منظور (المتوفى: 711 هـ)

[فصل اللام]

صفحة 731 - الجزء 1

  وقولُهم: لَبَّيكَ ولَبَّيه، مِنه، أَي لُزوماً لطاعَتِكَ؛ وفي الصحاح: أَي أَنا مُقيمٌ على طاعَتك؛ قال:

  إِنَّكَ لو دَعَوتَني، ودوني ... زَوراءُ ذاتُ مَنْزَعٍ بَيُونِ،

  لَقُلْتُ: لَبَّيْه، لمَنْ يَدعُوني

  أَصله لَبَّبْت فعَّلْت، من أَلَبَّ بالمكان، فأُبدلت الباء ياءً لأَجلِ التضعيف.

  قال الخليل، هو من قولهم: دار فلان تُلِبُّ داري أَي تُحاذيها أَي أَنا مُواجِهُكَ بما تُحِبُّ إِجابةً لك، والياء للتثنية، وفيها دليل على النصب للمَصدر.

  وقال سيبويه: انْتَصَب لَبَّيْكَ، على الفِعْل، كما انْتَصَبَ سبحانَ اللَّه.

  وفي الصحاح: نُصِبَ على المصدر، كقولك: حَمْداً للَّه وشكراً، وكان حقه أَن يقال: لَبّاً لكَ، وثُنِّي على معنى التوكيد أَي إِلْباباً بك بعد إِلبابٍ، وإِقامةً بعد إِقامةٍ.

  قال الأَزهري: سمعت أَبا الفضل المُنْذِرِيَّ يقول: عُرضَ على أَبي العباس ما سمعتُ من اَبي طالب النحويّ في قولهم لَبَّيْكَ وسَعْدَيْكَ، قال: قال الفراء: معنى لَبَّيْكَ، إِجابةً لك بعد إِجابة؛ قال: ونصبه على المصدر.

  قال: وقال الأَحْمَرُ: هو مأْخوذٌ من لَبَّ بالمكان، وأَلَبَّ به إِذا أَقام؛ وأَنشد:

  لَبَّ بأَرضٍ ما تَخَطَّاها الغَنَمْ

  قال ومنه قول طُفَيْل:

  رَدَدْنَ حُصَيْناً من عَدِيٍّ ورَهْطِه ... وتَيْمٌ تُلَبِّي في العُروجِ، وتَحْلُبُ

  أَي تُلازمُها وتُقيمُ فيها؛ وقال أَبو الهيثم قوله:

  وتيم تلبي في العروج، وتحلب

  أَي تَحْلُبُ اللَّبَأَ وتَشْرَبه؛ جعله من اللِّبإِ، فترك همزه، ولم يجعله من لَبَّ بالمكان وأَلَبَّ.

  قال أَبو منصور: والذي قاله أَبو الهيثم أَصوبُ.

  لقوله بعده وتَحْلُبُ.

  قال وقال الأَحمر: كأَنَّ أَصْلَ لَبَّ بك، لَبَّبَ بك، فاستثقلوا ثلاث باءَات، فقلبوا إِحداهن ياءً، كما قالوا: تَظَنَّيْتُ، من الظَّنِّ.

  وحكى أَبو عبيد عن الخليل أَنه قال: أَصله من أَلبَبْتُ بالمكان، فإِذا دعا الرجلُ صاحبَه، أَجابه: لَبَّيْكَ أَي أَنا مقيم عندك، ثم وكد ذلك بلَبَّيكَ أَي إِقامةً بعد إِقامة.

  وحكي عن الخليل أَنه قال: هو مأْخوذ من قولهم: أُمٌّ لَبَّةٌ أَي مُحِبَّة عاطفة؛ قال: فإِن كان كذلك، فمعناه إِقْبالاً إِليك ومَحَبَّةً لك؛ وأَنشد:

  وكُنْتُمْ كأُمٍّ لَبَّةٍ، طَعَنَ ابْنُها ... إِليها، فما دَرَّتْ عليه بساعِدِ

  قال، ويقال: هو مأْخوذ من قولهم: داري تَلُبُّ دارَك، ويكون معناه: اتِّجاهي إِليك وإِقبالي على أَمرك.

  وقال ابن الأَعرابي: اللَّبُّ الطاعةُ، وأَصله من الإِقامة.

  وقولهم: لَبَّيْكَ، اللَّبُّ واحدٌ، فإِذا ثنيت، قلت في الرفع: لَبَّانِ، وفي النصب والخفض: لَبَّينِ؛ وكان في الأَصل لَبَّيْنِكَ أَي أَطَعْتُكَ مرتين، ثم حُذِفَت النون للإِضافة أَي أَطَعْتُكَ طاعةً، مقيماً عندك إِقامةً بعد إِقامة.

  ابن سيده: قال سيبويه: وزعم يونس أَن لَبَّيْكَ اسم مفرد، بمنزلة عَلَيكَ، ولكنه جاءَ على هذا اللفظ في حَدِّ الإِضافة، وزعم الخليل أَنها تثنية، كأَنه قال: كلما أَجَبْتُكَ في شيءٍ، فأَنا في الآخر لك مُجِيبٌ.

  قال سيبويه: ويَدُلُّك على صحة قول الخليل قولُ بعض العرب: لَبِّ، يُجْريه مُجْرَى أَمْسِ وغاقِ؛ قال: ويَدُلُّك على أَن لبَّيكَ ليست بمنزلة عليك، أَنك إِذا أَظهرت الاسم، قلت: