لسان العرب،

ابن منظور (المتوفى: 711 هـ)

[فصل الكاف]

صفحة 227 - الجزء 15

  حسَّنه عندي قليلاً أَنك قد ذكرت كفَى فدلَّ على الاكتفاء لأَنه من لفظه، كما تقول: مَن كَذب كان شرًّا له، فأَضمرته لدلالة الفعل عليه، فههنا أَضمر اسماً كاملاً وهو الكذب، وهناك أَضمر اسماً وبقي صلته التي هي بعضه، فكان بعضُ الاسم مضمراً وبعضه مظهراً، قال: فلذلك ضعف عندي، قال: والقول في هذا قول سيبويه من أَنه يريد كفى الله، كقولك: وكفى الله المؤمنين القتال؛ ويشهد بصحة هذا المذهب ما حكي عنهم من قولهم مررت بأَبْياتٍ جادَ بِهنَّ أَبياتاً وجُدْنَ أَبْياتاً، فقوله بهنَّ في موضع رفع، والباء زائدة كما ترى.

  قال: أَخبرني بذلك محمد بن الحسن قراءة عليه عن أَحمد بن يحيى أَن الكسائي حكى ذلك عنهم؛ قال: ووجدت مثله للأَخطل وهو قوله:

  فقُلْتُ: اقْتُلُوها عَنْكُمُ بِمِزاجِها ... وحُبَّ بِها مَقْتولَةً حِينَ تُقْتَل

  فقوله بها في موضع رفع بحُبَّ؛ قال ابن جني: وإِنما جاز عندي زيادة الباء في خبر المبتدإِ لمضارعته للفاعل باحتياج المبتدإِ إِليه كاحتياج الفعل إِلى فاعله.

  والكُفْيةُ، بالضم: ما يَكْفِيك من العَيش، وقيل: الكُفْيَةُ القُوت، وقيل: هو أَقلّ من القوت، والجمع الكُفَى.

  ابن الأَعرابي: الكُفَى الأَقوات، واحدتها كُفْيةٌ.

  ويقال: فلان لا يملك كُفَى يومه على ميزان هذا أَي قُوتَ يومه؛ وأَنشد ثعلب:

  ومُخْتَبِطٍ لم يَلْقَ مِن دُونِنا كُفًى ... وذاتِ رَضِيعٍ لم يُنِمْها رَضِيعُها

  قال: يكون كُفًى جمع كُفْيَة وهو أَقلّ من القُوت، كما تقدّم، ويجوز أَن يكون أَراد كُفاةً ثم أَسقط الهاء، ويجوز أَن يكون من قولهم رجل كَفِيٌّ أَي كافٍ.

  والكِفْيُ: بطن الوادي؛ عن كراع، والجمع الأَكْفاء.

  ابن سيده: الكُفْوُ النظير لغة في الكُفءِ، وقد يجوز أَن يريدوا به الكُفُؤ فيخففوا ثم يسكنوا.

  كلا: ابن سيده: كِلا كلمة مَصُوغة للدلالة على اثنين، كما أَنَّ كُلاً مصوغة للدلالة على الجمع؛ قال سيبويه: وليست كِلا من لفظ كلٍّ، كلٌّ صحيحة وكِلا معتلة.

  ويقال للأُنثيين كِلْتا، وبهذه التاء حُكم على أَن أَلف كِلا منقلبة عن واو، لأَن بدل التاء من الواو أَكثر من بدلها من الياء، قال: وأَما قول سيبويه جعلوا كِلا كَمِعًى، فإِنه لم يرد أَن أَلف كِا منقلبة عن ياء كما أَنَّ أَلف مِعًى منقلبة عن ياء، بدليل قولهم معيان، وإِنما أَراد سيبويه أَن أَلف كلا كأَلف معي في اللفظ، لا أَن الذي انقلبت عليه أَلفاهما واحد، فافهم، وما توفيقنا إِلا بالله، وليس لك في إِمالتها دليل على أَنها من الياء، لأَنهم قد يُمِيلون بنات الواو أَيضاً، وإِن كان أَوَّله مفتوحاً كالمَكا والعَشا، فإِذا كان ذلك مع الفتحة كما ترى فإِمالَتُها مع الكسرة في كِلا أَولى، قال: وأَما تمثيل صاحب الكتاب لها بَشَرْوَى، وهي من شريت، فلا يدل على أَنها عنده من الياء دون الواو، ولا من الواو دون الياء، لأَنه إِنما أَراد البدل حَسْبُ فمثل بما لامه من الأَسماء من ذوات الياء، مبدلة أَبداً نحو الشَّرْوَى والفَتْوَى.

  قال ابن جني: أَما كلتا فذهب سيبويه إِلى أَنها فِعْلَى بمنزلة الذِّكْرَى والحِفْرَى، قال: وأَصلها كِلْوا، فأُبدلت الواو تاء كما أُبدلت في أُخت وبنت، والذي يدل على أَنَّ لام كلتا معتلة قولهم في مذكرها كِلا، وكِلا فِعْلٌ ولامه معتلة بمنزلة لام حِجاً ورِضاً، وهما من الواو لقولهم حَجا يَحْجُو والرِّضْوان،