لسان العرب،

ابن منظور (المتوفى: 711 هـ)

[فصل الكاف]

صفحة 226 - الجزء 15

  كَفاكَ بفلان وكَفْيُكَ به وكِفاكَ، مكسور مقصور، وكُفاكَ، مضموم مقصور أَيضاً، قال: ولا يثنى ولا يجمع ولا يؤنث.

  التهذيب: تقول رأَيت رجُلاً كافِيَك من رجل، ورأَيت رجلين كافِيَك من رجلين، ورأَيت رجالاً كافِيَكَ من رجال، معناه كَفاك به رجلاً.

  الصحاح: وهذا رجل كافِيكَ من رجُل ورَجلان كافِياكَ من رجلين ورِجالٌ كافُوكَ من رِجال، وكَفْيُك، بتسكين الفاء، أَي حَسْبُكَ؛ وأَنشد ابن بري في هذا الموضع لجثامة الليثي:

  سَلِي عَنِّي بَني لَيْثِ بنِ بَكْرٍ ... كَفَى قَوْمي بصاحِبِهِمْ خَبِيرا

  هَلَ اعْفُو عن أُصولِ الحَقِّ فِيهمْ ... إِذا عَرَضَتْ، وأَقْتَطِعُ الصُّدُورا

  وقال أَبو إِسحق الزجاج في قوله ø: وكفَى بالله وليّاً، وما أَشبهه في القرآن: معنى الباء للتَّوْكيد، المعنى كفَى الله وليّاً إِلا أَن الباء دخلت في اسم الفاعل لأَن معنى الكلام الأَمْرُ، المعنى اكْتَفُوا بالله وليّاً، قال: ووليّاً منصوب على الحال، وقيل: على التمييز.

  وقال في قوله سبحانه: أَولم يَكْفِ بربّك أَنه على كل شيء شهيد؛ معناه أَولم يَكْفِ ربُّك أَولم تَكْفِهم شهادةُ ربِّك، ومعنى الكِفاية ههنا أَنه قد بين لهم ما فيه كِفاية في الدلالة على توحيده.

  وفي حديث ابن مريم: فأَذِنَ لي إِلى أَهْلي بغير كَفِيٍّ أَي بغير مَن يَقوم مَقامي.

  يقال: كَفاه الأَمرَ إِذا قام فيه مَقامه.

  وفي حديث الجارود: وأَكْفي مَنْ لم يَشهد أَي أَقوم بأَمْرِ مَن لم يَشهد الحَرْبَ وأُحارِبُ عنه؛ فأَمّا قول الأَنصاري:

  فكَفَى بِنا فَضْلاً، على مَن غَيْرُنا ... حُبُّ النبيِّ مُحَمَّدٍ إِيّانا

  فإِنما أَراد فكَفانا، فأَدخل الباء على المفعول، وهذا شاذ إِذ الباء في مثل هذا إِنما تدخل على الفاعل كقولك كفَى بالله؛ وقوله:

  إِذا لاقَيْتِ قَوْمي فاسْأَلِيهمْ ... كَفَى قَوْماً بِصاحِبِهمْ خَبِيرا

  هو من المقلوب، ومعناه كفَى بقوم خَبِيراً صاحبُهم، فجعل الباء في الصاحب، وموضعها أَن تكون في قوم وهم الفاعلون في المعنى؛ وأَما زيادَتها في الفاعل فنحو قولهم: كَفى بالله، وقوله تعالى: وكفى بنا حاسبين، إِنما هو كفى الله وكفانا كقول سحيم:

  كفى الشَّيْبُ والإِسْلامُ للمَرْء ناهِياً

  فالباء وما عملت في موضع مرفوع بفعله، كقولك ما قام من أَحد، فالجار والمجرور هنا في موضع اسم مرفوع بفعله، ونحوه قولهم في التعجب: أَحْسِنْ بِزَيْدٍ، فالباء وما بعدها في موضع مرفوع بفعله ولا ضمير في الفعل، وقد زيدت أَيضاً في خبر لكنَّ لشبهه بالفاعل؛ قال:

  ولَكِنَّ أَجْراً لو فَعَلْتِ بِهَيِّنٍ ... وهَلْ يُعْرَفُ المعْروفُ في الناسِ والأَجْرُ⁣(⁣١)

  أَراد: ولكِنّ أَجراً لو فَعَلْتِه هَيِّن، وقد يجوز أَن يكون معناه ولكنَّ أَجراً لو فعلته بشيء هين أَي أَنت تَصِلين إِلى الأَجرِ بالشيء الهين، كقولك: وُجُوبُ الشكر بالشيءِ الهيّن، فتكون الباء على هذا غير زائدة، وأَجاز محمد بن السَّرِيّ أَن يكون قوله: كَفَى بالله، تقديره كفَى اكْتِفاؤك بالله أَي اكْتفاؤك بالله يَكْفِيك؛ قال ابن جني: وهذا يضعف عندي لأَن الباء على هذا متعلقة بمصدر محذوف وهو الاكتفاء، ومحال حذف الموصول وتبقية صلته، قال: وإِنما


(١) قوله [وهل يعرف] كذا بالأصل، والذي في المحكم: ولم ينكر.