[فصل الجيم]
  الأَخيرةُ عن ابن جني، ولا تكون مصدراً لأَنَّ المَفْعُلةَ، عند سيبويه، ليست من أَبنية المصادر، ولا تكون من باب المَفْعُول لأَنَّ فِعْلها مزيد.
  وفي أَمثالِ العَرب: أَساءَ سَمْعاً فأَساءَ جابةً.
  قال: هكذا يُتَكلَّم به لأَنَّ الأَمثال تُحْكَى على موضوعاتها.
  وأَصل هذا المثل، على ما ذكر الزُّبَيْر ابن بكار، أَنه كان لسَهلِ بن عَمْرٍو ابنٌ مَضْعُوفٌ، فقال له إنسان: أَين أَمُّكَ أَي أَين قَصْدُكَ؟ فظَنَّ أَنه يقول له: أَين أُمُّكَ، فقال: ذهَبَتْ تَشْتَري دَقِيقاً، فقال أَبُوه: أَساءَ سَمْعاً فأَساءَ جابةً.
  وقال كراع: الجابةُ مصدر كالإِجابةِ.
  قال أَبو الهيثم: جابةٌ اسم يُقُومُ مَقامَ المصدر، وإنه لَحَسَنُ الجيبةِ، بالكسر، أَي الجَوابِ.
  قال سيبويه: أَجاب مِنَ الأَفْعال التي اسْتُغْني فيها بما أَفْعَلَ فِعْلَه، وهو أَفْعَلُ فِعْلاً، عَمَّا أَفْعَلَه، وعن هُوَ أَفْعَلُ مِنكَ، فيقولون: ما أَجْوَدَ جَوابَه، وهو أَجْوَدُ جَواباً، ولا يقال: ما أَجْوَبَه، ولا هو أَجْوَبُ منك؛ وكذلك يقولون: أَجْوِدْ بَجَوابه، ولا يقال: أَجوِب به.
  وأَما ما جاءَ في حديث ابن عمر أَنَّ رجلاً قال: يا رسولَ اللَّه أَيُّ الليلِ أَجْوَبُ دَعْوةً؟ قال: جَوْفُ الليلِ الغابِرِ، فسَّره شمر، فقال: أَجْوَبُ من اللإِجابةِ أَي أَسْرَعُه إجابةً، كما يقال أَطْوَعُ من الطاعةِ.
  وقياسُ هذا أَن يكون من جابَ لا مِن أَجابَ.
  وفي المحكم عن شمر، أَنه فسره، فقال: أَجْوَبُ أَسْرَعُ إجابةً.
  قال: وهو عندي من باب أَعْطَى لفارِهةٍ، وأَرسلنا الرِّياحَ لوَاقِحَ.
  وما جاءَ مِثلُه، وهذا على المجاز، لأَنَّ الإِجابةَ ليست لِلَّيل إنما هي للَّه تعالى فيه، فَمعناه: أَيُّ الليلِ اللَّه أَسرع إجابةً فِيه مِنه في غَيْرِه، وما زاد على الفِعْل الثُّلاثي لا يُبْنَى مِنْه أفْعَلُ مِنْ كذا، إلا في أَحرف جاءَت شاذة.
  وحكى الزمخشريُّ قال: كأَنَّه في التَّقْدير مِن جابَتِ الدَّعْوةُ بوزن فَعُلْتُ، بالضم، كطالَتْ، أَي صارَتْ مُسْتَجابةَ، كقولهم في فَقِيرٍ وشَديدٍ كأَنهما مِنْ فَقُرَ وشَدُدَ، وليس ذلك بمستعمل.
  ويجوز أَن يكون من جُبتُ الأَرضَ إذ قَطَعْتَها بالسير، على معنى أَمْضَى دَعْوَةَ وأَنْفَذُ إلى مَظانِّ الإِجابةِ والقَبُول.
  وقال غيره: الأَصل جاب يجوب مثل طاع يَطُوعُ.
  قال الفرَّاءُ قيل لأَعرابي: يا مُصابُ.
  فقال: أَنتَ أَصوَبُ مني.
  قال: والأَصل الإِصابةُ مِن صابَ يَصُوبُ إذا قَصَدَ، وانجابَتِ الناقةُ: مَدَّت عُنُقَها للحَلَبِ، قال: وأُراه مِن هذا كَأَنَّها أَجابَتْ حالِبَها، على أَنَّا لم نَجِدِ انْفَعَل مِنْ أَجابَ.
  قال أَبو سعيد قال لي أَبو عَمْرو بن العلاءِ: اكْتُبْ لي الهمز، فكتبته له فقال لي: سَلْ عنِ انْجابَتِ الناقةُ أَمَهْموز أَمْ لا؟ فسأَلت، فلم أَجده مهموزاً.
  والمُجاوَبةُ والتَّجاوُبُ: التَّحاوُرُ.
  وتجاوَبَ القومُ: جاوَبَ بَعضُهم بَعْضاً، واسْتعمله بعضُ الشُعراءِ في الطير، فقال جَحْدَرٌ:
  ومِمَّا زادَني، فاهْتَجْتُ شَوْقاً ... غِنَاءُ حَمامَتَيْنِ تَجاوَبانِ
  (١) تَجاوَبَتا بِلَحْنٍ أَعْجَمِيٍّ ... على غُصْنَينِ مِن غَرَبٍ وبَانِ
  واسْتَعمَلَه بعضُهم في الإِبل والخيل، فقال:
  تَنادَوْا بأَعْلى سُحْرةٍ، وتَجاوَبَتْ ... هَوادِرُ، في حافاتِهِم، وصَهِيلُ
(١) قوله [غناء] في بعض نسخ المحكم أيضاً بكاء.