لسان العرب،

ابن منظور (المتوفى: 711 هـ)

[فصل الثاء المثلثة]

صفحة 114 - الجزء 14

  وقال آخر:

  وذاكَ صَنِيعٌ لم تُثَفَّ له قِدْرِي

  وقول حُطامٍ المجاشعي:

  لم يَبْقَ من آيٍ بها يُحَلَّيْنْ ... غَيرُ خِطامٍ ورَمادٍ كِنْفَيْنْ

  وصالِياتٍ كَكَما يُؤَثْفَيْنْ

  جاء به على الأَصل ضرورة ولولا ذلك لقال يُثْفَيْن؛ قال الأَزهري: أَراد يُثْفَيْنَ من أَثْفَى يُثْفِي، فلما اضطرَّه بناء الشعر رده إِلى الأَصل فقال يُؤَثْفَيْن، لأَنك إِذا قلت أَفْعل يُفْعِل علمتَ أَنه كان في الأَصل يُؤَفْعِل؛ فحذفت الهمزة لثقلها كما حذفوا أَلف رأَيت من أَرى، وكان في الأَصل أَرْأَى، فكذلك من يَرَى وتَرَى ونَرَى، الأَصل فيها يَرْأَى وتَرْأَى ونَرْأَى، فإِذا جاز طرح همزتها، وهي أَصلية، كانت همزة يُؤَفْعِلُ أَولى بجواز الطرح لأَنها ليست من بناء الكلمة في الأَصل؛ ومثله قوله:

  كُرات غُلامٍ من كِساءٍ مُؤَرْنَبِ

  ووجه الكلام: مُرْنَب، فردّه إِلى الأَصل.

  ويقال: رجل مُؤَنْمَل إِذا كان غليظ الأَنامل، وإِنما أَجمعوا على حذف همزة يُؤَفْعِل استثقالاً للهمزة لأَنها كالتقَيُّؤِ، ولأَن في ضمة الياء بياناً وفصلاً بين غابر فِعْل فَعَلَ وأَفْعَل، فالياء من غابر فعَل مفتوحة، وهي من غابر أَفْعل مضمومة، فأَمنوا اللبس واستحسنوا ترك الهمزة إِلا في ضرورة شعر أَو كلام نادر.

  ورماه الله بثالثة الأَثافِي: يعني الجبل لأَنه يجعل صخرتان إِلى جانبه وينصب عليه وعليهما القدر، فمعناه رماه الله بما لا يقوم له.

  الأَصمعي: من أَمثالهم في رَمْي الرجل صاحبه بالمعْضِلات: رماه الله بثالثة الأَثافي؛ قال أَبو عبيدة: ثالثة الأَثافي القطعة من الجبل يجعل إِلى جانبها اثنتان، فتكون القطعة متصلة بالجبل؛ قال خُفافْ بن نُدْبَة:

  وإِنَّ قَصِيدَةً شَنْعاءَ مِنِّي ... إِذا حَضَرَت، كثالثةِ الأَثافي

  وقال أَبو سعيد: معنى قولهم رماه الله بثالثة الأَثافي أَي رماه بالشرّ كُلَّه فجعله أُثْفِية بعد أُثْفِية حتى إِذا رُمي بالثالثة لم يترك منها غاية؛ والدليل على ذلك قول علقمة:

  بل كلّ قوم، وإِن عزُّوا وإِن كَرُمُوا ... عَرِيفُهم بأَثافي الشرّ مَرْجوم

  أَ لا تراه قد جمعها له؟ قال أَبو منصور: والأُثْفِيّة حجر مثل رأْس الإِنسان، وجمعها أَثافيُّ، بالتشديد، قال: ويجوز التخفيف، وتُنصب القدور عليها، وما كان من حديد ذي ثلاث قوائم فإِنه يسمى المِنْصَب، ولا يسمى أُثْفِيّة.

  ويقال: أَثْفَيْت القِدْر وثَفَّيتها إِذا وضعتها على الأَثافي، والأُثْفِيّة: أُفْعُولة من ثَفَّيْت، كما يقال أُدْحِيّة لِمَبيض النعام من دَحَيْت.

  وقال الليث: الأُثْفِيّة فُعْلوية من أَثّفْت، قال: ومن جعلها كذلك قال أَثَّفْت القدر، فهي مُؤَثَّفة، وقال آثَفْت القدر فهي مُؤَثَفَة؛ قال النابغة:

  لا تَقْذِفَنِّي برُكْنٍ لا كِفاءَ له ... ولو تَأَثَّفَك الأَعْداءُ بالرِّفْدِ

  وقوله: ولو تأَثَّفَك الأَعْداء أَي ترافدوا حولك مُتضافرِين عليَّ وأَنت النارُ بينهم؛ قال أَبو منصور: وقول النابغة:

  ولو تأَثَّفَك الأَعْداءُ بالرِّفَدِ

  قال: ليس عندي من الأُثْفِية في شيء، وإِنما هو من قولك أَثَفْت الرجل آثِفُه إِذا تَبِعْته، والآثِفُ التابع.

  وقال النحويون: قِدْر مُثْفاة من أَثْفَيْت.