كتاب الشافي،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

[الكلام على الخبر الثاني عن حذيفة بن أسيد]

صفحة 243 - الجزء 2

  النار فيدخلها، وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها»».

  فالكلام فيه: أنه كلام حق وقول صدق صدر من الحكيم الذي لا يكذب، وفيه فائدتان:

  إحداهما: أن العبد هو الذي يعمل أعماله: الحسن الذي ينتهي به إلى الجنة ويستحقها به، والقبيح الذي ينتهي به إلى النار ويستحقها به، ويبطل بذلك مذهب المجبرة القدرية المجورة لرب البرية، من أنه تعالى الخالق للأعمال، وأن أحداً لا يستحق على عمله ثواباً ولا عقاباً، وقد صرح ÷ بأن العبد هو الذي يعمل العمل الذي يدخل به الجنة أو النار، وفي ذلك بيان صحة ما ذهبنا إليه.

  والفائدة الثانية: أن علم الله تعالى لا يتبدل ولا يتغير وهذا هو مذهبنا، وإليه دعونا؛ لأنه سبحانه عالم لذاته، فلا يجوز تغير علمه؛ لأنه يقتضي خروجه عما هو عليه في ذاته، ولو صح ذلك للزم أن يكون محدثاً، تعالى عن ذلك علواً كبيراً.

  فإن رام المخالف الاستدلال بالخبر على أن العلم هو الموجب للفعل والملجئ إلى فعل الحسن والقبيح؛ فقد بينا بطلان قوله هذا بما لا سبيل له إلى دفعه، وإنما هو تعالى يعلم ما يكون على الوجه الذي يكون عليه قبل كونه، والوجه الذي وقع عليه هو سوء اختيار العاصي بفعل المعصية، وحسن اختيار المطيع بإيثار الطاعة، وقد علم الله من المتعبدين ما علم؛ فلينظر في ذلك فهو أصل كبير في هذا الباب، والله الموفق للصواب.

[الكلام على الخبر الثاني عن حذيفة بن أسيد]

  وأما الخبر الثاني: الذي انتهى به إلى حذيفة بن أسيد فبلغ به النبي ÷ قال: «يدخل الملك على النطفة بعدما تستقر في الرحم بأربعين أو خمس وأربعين ليلة؛ فيقول: يا رب أشقي أم سعيد؟ فيكتبان، فيقول: أي ربي أذكر أم أنثى؟ فيكتبان، ويكتب عمله وأثره وأجله ورزقه، ثم تطوى الصحف فلا يزاد فيها ولا ينتقص».