كتاب الشافي،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

[2] [العبث بإرسال الرسل]

صفحة 13 - الجزء 2

  كانت من الله سبحانه لم يكن للأمر بها ولا للنهي عنها معنى، ولا للوعد والوعيد وجه؛ لأن من أمر غيره بما يفعله هو ويوجده دون المأمور، أو نهاه عنه مع علمه بأن المأمور والمنهي لا صنع له في إيجاده، ولا اختيار في تحصيله، فقد أتى بنهاية الهزؤ والهذر الذي لا فائدة فيه ولا معنى تحته، فاعتقاد المضيفين لهذه الأفعال إلى الله سبحانه وتعالى في آيات الله تعالى أنها بهذه المثابة.

  فنَهْيُ النبي ÷ عن مجالستهم نَهْيٌ واقع في موضعه؛ لأنهم يكثرون الخوض في ذلك، وقد نهى الله سبحانه عن مجالسة من هذا حاله بقوله: {وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ} ... الآية [النساء: ١٤٠].

[٢] [العبث بإرسال الرسل]

  وثانيها: أنهم بإضافة هذه الأفعال إلى الله سبحانه وتعالى جعلوا بعثة الأنبياء $ في نهاية العبث وغاية السفه؛ لأن الله سبحانه إذا كان هو المتولي عندهم لخلق هذه الأفعال من الكفر والإيمان والطاعة والعصيان فلا معنى إذاً لإرسال الرسل، ولا لأمرهم بدعاء الخلق إلى الطاعة، كما لا يجوز أن يدعوهم إلى الخروج من صورهم وألوانهم وهذا ظاهر، وإذا كان اعتقادهم لذلك يؤدي إلى أن تكون بعثة الرسل عبثاً، كانت مجالستهم التي يذكر عندها ذلك محظورة محرمة.

[٣] [الإغراء بالمعاصي]

  وثالثها: أنهم متى قالوا بأن هذه الخبائث والمعاصي هي خلق الله في العصاة كان في ذلك أعظم وجوه الإغراء بها لكل من جالسهم وسمع كلامهم من الجهال الذين تتوق أنفسهم إلى هذه المعاصي الشهية؛ لأنهم إذا اطلعوا من قولهم على أنهم متى أطاعوا أنفسهم في طلب شهواتهم ونيل لذاتهم فذلك شيء ليس منهم وإنما هو من الله تعالى خلقه وأراده منهم، لم تلبث الجهال أن يسترسلوا في كل ما تشتهيه أنفسهم من المخازي، وجعلوا هذا المذهب وجه عُذْرِهِم، ولا