[كلام حول قوله تعالى: {ولقد ذرأنا لجهنم}]
  والجواب: أن هذا مثل الأول، أنه ألزمه على تجويزه على مذهبه؛ لأن عنده أنه لا يستحق أحد ثواباً ولا عقاباً على طاعة ولا معصية، ولهذا قال [أي فقيه الخارقة] عقيبه: إنه لا استحقاق لأحد منهم على عمله بجنة ولا نار، واحتج بأن العبد لا يستحق على سيده بخدمته ثواباً، بل ذلك مقتضى الرق وواجب العبودية، وقد بينا أن الثواب إنما وقع لأن السيد جعل فعل العبد شاقاً عليه، وكان يمكنه أن يسهله عليه، بأن يجعل شكره في الأمور الملذة، ويقوي دواعي عبده إلى فعله، ويصرفه عن مخالفته، ويخلق له النفار عما بغضه، فلما خلق الله سبحانه للمكلف شهوة القبيح الذي نهاه عنه، ونفرة الواجب الذي أمره به، حتى ترددت دواعيه بين أن يفعل الواجب لأنه واجب عليه، وبين أن يتركه لأنه شاق عليه، وكذلك في فعل المعصية فإن داعيه متردد بين أن يتركها مخافة العقاب، وخشية مخالفة الناهي عنها، وبين أن يفعلها لأن دواعيه إليها قوية لما له في فعلها من اللذة العظيمة، فلو خلص الفعل عن اقتران الشهوة والنفار، لما توجه على العبد تكليف، ولا استحق بفعله ثواباً، ولا بتركه عقاباً، وقد بينا ذلك فيما تقدم.
[كلام حول قوله تعالى: {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ}]
  وقوله [أي الشيخ محيي الدين]: ولا القول بأن الله خلق خلقاً وكلفهم لدخول النار؛ «فلقد(١) قال تعالى: {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ}[الأعراف: ١٧٩]، أي: خلقنا».
  فالجواب: أن قوله: (لجهنم) لام العاقبة، وليست لام الغرض، فهي كقوله تعالى: {فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا}[القصص: ٨]، ومعلوم أنهم ما التقطوه إلا ليكون لهم ولداً وقرة عين، كما حكاه تعالى عنهم، ولكنه تعالى أخبر عن عاقبة الأمر أنه سيصير لهم عدواً وحزناً، كذلك قوله تعالى:
(١) بداية كلام فقيه الخارقة.