[الكلام على الخبر الثالث عن علي (ع)]
  فالكلام فيه مثل ما تقدم في الخبر الأول، أنه تعالى المتولي فيما لا يقدر عليه العباد؛ فإنه تعالى يخلقه على ترتيب وتدريج خلاف مذاهب الطبائعية لقولهم بالإيجاب، وأنه تعالى لطَفَ للملائكة $ بما يشاهدونه من ذلك، ولطَفَ لسائر المكلفين بما أعلمهم من عظيم قدرته وسعة رحمته ولطفه بعباده، وأنه سبحانه عالم لا يجهل بما فعل، ولا بما يفعله غيره، فيكون فيه تقوية لمن ينتحل التوحيد، وترهيباً وترغيباً لمن يقر بالوعد والوعيد، وأنه تعالى أمر الملك بما هو قادر على فعله فيبطل مذهب الجبرية في جميع ذلك على ما قدمنا.
  وما يعتل به أهل الجبر من وقوع المعلوم على ما علمه تعالى - فالجواب عنه: ما قدمنا من أن العلم ليس بموجب للمعلوم، وإن كان تعالى يعلم الشيء على ما هو به، بل كل عالم هذه حاله؛ لأن ما يتعلق بالمعلوم لا على ما هو به ليس بعلم بل هو جهل على الحقيقة.
[الكلام على الخبر الثالث عن علي (ع)]
  وأما الخبر الثالث: يبلغ به علياً # قال: كنا في بقيع الغرقد فأتانا رسول الله ÷ فقعد وقعدنا حوله، ثم قال: «ما منكم من أحد من نفس منفوسة إلا وقد كتب مكانها من الجنة أو النار، وإلا وقد كتبت شقية أم سعيدة» قال: فقال رجل: أفلا نمكث على كتابنا وندع العمل؟ فقال: «من كان من أهل السعادة فسيصير إلى عمل أهل السعادة، ومن كان من أهل الشقاوة فسيصير إلى عمل أهل الشقاوة؛ فقال: اعملوا وكل ميسر، أما أهل السعادة فسييسرون لعمل أهل السعادة، وأما أهل الشقاوة فسييسرون لعمل أهل الشقاوة ثم قرأ: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى ٥ وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى ٦ فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى ٧ وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى ٨ وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى ٩ فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى ١٠}[الليل]».
  والكلام فيه مثل ما تقدم أن الله تعالى قد كتب مكان المكلف من الجنة والنار، وكذلك الشقي والسعيد، وإنما كتبه سبحانه أو أمر الملائكة بكتبه لا