كتاب الشافي،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

[موسى الهادي وقصة المغنين]

صفحة 178 - الجزء 2

  الستارة؛ فقال: أحسنت بارك الله عليك، وما كتب له في ديوان عطية درهم واحد لمغني ولا عديل بل كان يجعل ذلك في ديوان يتولاه بنفسه، وكان ولده المهدي قد احتجب عن الندماء تشبيهاً بأبيه نحواً من سنة، ثم ظهر لهم، فأشار عليه ابن عون بأن يحتجب عنهم، فقال: إليك عني يا جاهل إنما اللذة في مشاهدة السرور في الدنو ممن يسرني؛ فأما من وراء وراء فما خيرها وما لذتها، ولو لم يكن في الظهور إلى الندماء والإخوان إلا أن أعطيهم من السرور بمشاهدتي مثل الذي يعطونني من فوائدهم لجعلت من ذلك حظاً موفوراً، وذكر فضائله أنه كان كثير العطاء متواتره، قل من حضره إلا أغناه، وكان لين العريكة، سهل السريعة ما يمل نديماً.

[موسى الهادي وقصة المغنين]

  وأما ولده الهادي فكان شكس الأخلاق، صعب المرام، قليل الإغضاء، سيئ الظن، مَن توقى مغاضبه وعرف مقاصده أغناه، ومن جهل ذلك لم يكد يسلم منه، ومن ابتدأه بالسؤال لم يعطه، وكان جزل العطاء إذا أعطى.

  ودخل عليه معاذ بن الطبيب أول يوم دخل إليه وكان حاذقاً عارفاً بالأغاني، وكان عنده ابن جامع، وإبراهيم الموصلي؛ فقال: من أطربني منكم فله حكمه⁣(⁣١) فغناه ابن جامع غناءً لم يحركه، وكان إبراهيم قد عرف غرضه في الأغاني، فغناه:

  سليمى اجتمعت بيننا ... فأين يقوم لها أينا

  الأبيات.

  فطرب حتى قام من مجلسه ورفع صوته، فقال: أعد بالله وبحياتي، فأعاد، وقال: أنت صاحبي، فقال إبراهيم: يا أمير المؤمنين، حائط عبد الملك بن مروان وعينه الجرارة بالمدينة؛ فقال: فدارت عيناه في رأسه حتى صارتا كالجمرتين،


(١) قد روى هذه القصة الطبري في تاريخه (٦/ ١٨٤ - ١٨٥).