كتاب الشافي،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

[أبو العباس حال الغناء]

صفحة 177 - الجزء 2

  مكانه، وما أقطع أحداً من المغنين شبراً من الأرض، ولا أعطاه شيئاً مشهوراً، ولا كان يظهر لهم عند اللهو خيفة أن يطرب فيتحرك أو يقع منه ما لا يشتهي أن يرى، وكان في نهاية الحزم، وكان يعطي أهل الملاهي من يديه ما شاء ويحصيه ويحصره على الإنسان حتى إذا أراد أن يخبره به بعد عشر سنين مفصلاً أمكنه ذلك.

[أبو العباس حال الغناء]

  فأما أخوه أبو العباس فلم تطل أيامه وكان يبدوا للندماء في أول خلافته سنة إلى أن أشار عليه سندي بن عبدالله بالحجبة خلف الستارة، وأوضح له أن ذلك أكثر لهيبته وأبقى للشرف فقبل ذلك؛ فكان يطرب ويهيج، ويقول من وراء الستارة: أحسنت أحسنت والله، أعد هذا الصوت، فيعيده مراراً فيقول في كلها: أحسنت، وكان لا يحضره نديم ولا مغني ولا ماجن فينصرف إلا بصلة أو كسوة، وكان لا يؤخر جزاء إحسان محسن لغد، ويقول: العجب من إنسان يفرح إنساناً فيتعجل السرور ويجعل ثواب مَنْ سَرّه تسويفاً وَعِدَة، ذكر ذلك في آداب الملوك في كتاب التاج، وذكر ذلك تعظيماً وتشريفاً، وهو لا يعدّ ذلك من الرذائل، بل سلك به مسلك الفضائل، ولم يعلم أنه يحصل فقيه بل فقهاء ينصون على من هذه حاله بالإمامة والرئاسة العامة، ويفضلونهم على حلفاء القرآن، وليوث الطعان، وأعداء الشيطان، وأولياء الرحمن من العترة الطاهرة، والشجرة الفاخرة، التي هي مفزع العلماء، أصلها ثابت وفرعها في السماء، ولا سيما من شفع ذلك بالصوام القوام! فنعوذ بالله من فساد السرائر، وعمى البصائر.

  ولقد ذكر حاكي هذه الفضيلة عن بني العباس أنها ما حكيت هذه الفضيلة من عربي ولا عجمي إلا ما يحكى عن بهرام حور من ملوك فارس فإنه يقارب هذه، يعني تعجيل مسرة المغنين والمطربين!

  وأما قصة أبي جعفر فهي ما قدمناه لطول أيامه فكل منقطع قصير، ولكن أبا جعفر كان إذا أعجبه المغني حرك الستارة بعض الجواري فأطلع عليهم صاحب