كتاب الشافي،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

[استدلال الفقيه على خلق أفعال العباد بالآيات التي تنفي الخلق لغير الله، والرد عليه]

صفحة 238 - الجزء 3

  فالجواب: أن ذلك يبطل استبعاده الخلود لمن عصى ساعة واحدة، أو وقتاً منقطعاً، فما أجاب به في الكافر؛ أجيب به في الفاسق.

[استدلال الفقيه على خلق أفعال العباد بالآيات التي تنفي الخلق لغير الله، والرد عليه]

  وأما قوله [أي فقيه الخارقة]: «وقد أخبر الله ø بأن القدرية جعلوا له شركاء، وخلقوا كخلقه فتشابه الخلق عليهم، فأكذبهم تعالى بقوله: {قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ ١٦}⁣[الرعد]».

  فالجواب: أنه قد أورد الآية فيما سبق وبينا أن المراد بالشركاء الأصنام التي عبدوها، وأنها لا تخلق شيئاً من أصول النعم التي يستحق بها العبادة، وهي الإحياء والإقدار والتمكين وخلق الشهوة، والتمكين من المشتهى، وقصد الانتفاع لهم بذلك، دون أن يريد استدراجهم إلى الهلاك والعطب، كما تقوله المجبرة؛ والأصنام بل سائر القادرين من العباد لا يقدرون على شيء من ذلك، ولذلك قال تعالى: {قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ ١٦}⁣[الرعد].

  ولأنه ذمهم بأنهم جعلوا لله شركاء، فلو كان الجعل فعله لنقض بعض الآية بعضاً، ولأن الآية خرجت مخرج المدح، ولا مديحة في إضافة المخازي والقبائح إليه - تعالى عن ذلك - لأنه ذمها وذم أربابها، وهو حكيم، والحكيم لا يفعل ما يذم، ولا يذم ما يفعل، فاعقل إن كنت ممن يعقل.

  وقوله تعالى: {قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ}⁣[الرعد: ١٦]، يريد سبحانه مما يستحق به العبادة، مما لا يقدر أحد من صنم ولا سواه على خلقه، ولا فعل جنسه؛ لأنه من مقدور القادر لذاته، ويستحيل أن يفعله القادر بالقدرة؛ لأن مقدور القدرة محصور جنساً وعدداً، على ما ذكرنا طرفاً من ذلك في مواضع، وتفصيله في كتب الأصول.

  ولأن الآية وردت مورد المدح، ولا مدح في خلق القبائح والفضائح والكبائر