كتاب الشافي،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

[بحث مفيد في بعض الأحكام المتعلقة بالقدرة]

صفحة 366 - الجزء 2

  من قبل أنفسهم، وأن الله مستحق للحمد؛ فقد بان مناقضته واضطراب كلامه.

  وقد قدمنا طرفاً من تخاليطه في هذه المسألة فتارة يقول: الأفعال من الله تعالى، ومن أضاف فعلاً إلى عباده فقد أشرك وتمجس، وتارة يقول: لا أقول أنهم مُجْبَرون ولا مُفَوَّضون بل أمر بين الأمرين، وتارة يقول: إن كلا الطرفين ذميم الجبر والتفويض، وتارة يقول: إنه يجمع بين المذهبين ويجعله مذهب له، وتارة يقول: إن هذا أمر دقيق لا تتسع له الأذهان وقد تحيرت فيه العقول، وقد قال كثير من العلماء: الخوض فيه لا يجوز.

  وهذه أقوال متدافعة، ويتوجه على كل قول منها كلام لولا ما أردنا من جوابه على رسالته لأوردنا من ذلك ما يشفي غليل الصدور، ويوضح ملتبسات الأمور.

  وعلى أنا قد بينا أنا نحمد الله تعالى على الهداية والتوفيق لفعل الإيمان بالألطاف المقربة، وصرف العوائق، وبهذا يستحق الحمد له سبحانه؛ فلا يصح ما منعنا به، كما منعنا في حق الكافر أنه لا يجب عليه الحمد على طريقة المجبرة، فافرق أيها الفقيه بين الأمرين ليتميز لك الصدق من المين.

[بحث مفيد في بعض الأحكام المتعلقة بالقدرة]

  وأما حكايته عن أهل العدل أنهم يفعلون ما يشاءون، ويصنعون ما يريدون.

  فالجواب: أنه كلام صحيح، وقد قال تعالى: {فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ}⁣[الكهف: ٢٩]، على وجه التخيير، ولأن القدرة صالحة للضدين عندنا؛ فالكفر والإيمان قدرتهما واحدة، وجملة الأمر أن الخلاف بيننا وبين المجبرة هاهنا في ثلاثة مواضع:

  أحدها: في أن القدرة متقدمة أو مقارنة.

  والثاني: في أنها تصلح للضدين أم لا؟

  والثالث: في أنها موجبة أم لا؟ وبعض هذه الأمور مبني على بعض.