[بحث في مكارم الأخلاق]
[بحث في مكارم الأخلاق]
  وأما ما حكى عن صاحب الرسالة من ذكره لما ينبغي أن يتخلق به أهل العلم من حسن السيرة، وجميل الطريقة من لين الجانب، وخفض الجناح، ثم قال: «فلعمري إنه ينبغي أن يكون هذا حالهم مع الراغبين المسترشدين، وأما مع المبتدعين المعاندين الذين يدعون إلى بدعتهم ولا يرجعون، وإن ظهر لهم الحق عن خللهم بل مقصدهم الإفحام دون الإعلام، والإلزام دون الاستعلام؛ فجفاؤهم من مهمات الدين، وقد أمر الله تعالى خاتم النبيين بأن يغلظ على من عاند الدين، ولم يقبل الحق المبين».
  والجواب عنه: أن ما حكاه عن صاحب الرسالة من النصيحة والترغيب في الإنصاف وتهذيب الأخلاق ووطاءة الجانب - فذلك كله لعمري من أخلاق الصالحين من الأنبياء والأئمة، وأهل التقوى واليقين، وما اختاره من مقابلة ذلك بالأذية والاعتماد على إساءة الأخلاق فتلك شيم المعاندين للمرسلين، كما فصل ذلك سبحانه في كتابه الكريم، فقال في قوم نوح #: {كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ ١٠٥ إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ أَلَا تَتَّقُونَ ١٠٦ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ ١٠٧ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ ١٠٨}، فأجابوه بقولهم: {أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ ١١١} ... الآيات [الشعراء]، وفي بعضها: {قَالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يَانُوحُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ ١١٦}[الشعراء].
  وقال في إبراهيم #: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا ٤١} ... إلى قوله: {يَاأَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا ٤٥}، فأجابه بمثل جواب هذا المعاند؛ فقال: {أَرَاغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يَاإِبْرَاهِيمُ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا ٤٦}، فرد # في مقابلة هذا الجفاء، فقال: {سَلَامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا ٤٧}[مريم].
  وقال سبحانه في موسى وهارون @: {اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى ٤٣