[حسن تكليف من علم الله منه الكفر]
  رأينا شيئاً من أفعاله سبحانه علمنا أنه حكمة حياطة للأصل المتقدم سواء كان من الأفعال الملذة أو من الأفعال المؤلمة، وسواء عرفنا وجه الحكمة فيه على التفصيل أو لم نعلمه؛ فمتى نازع أحد في شيء من هذه الأصول نقلناه إلى موضعه.
[حسن تكليف من علم الله منه الكفر]
  وقد بينا أن التكليف حكمة سواء تعلق بمن علم الله تعالى أنه يؤمن أو بمن علم الله تعالى أنه يكفر، وبينا أن الإحسان إليهما على سواء في ابتداء الخلق وفي إكمال العقل وإرسال الرسل، ونصب الأدلة وإزالة العلة، وخلق القدرة واللطف، والبواعث على الواجب، والزواجر عن القبيح، فإنه عَرَّضَ كل واحد منهما لمنازل علية، وملك عظيم لا ينال بشيء سوى التكليف، وفعل تعالى مع كل واحد منهما جميع ما يمكن أن يصلح عنده أو يتمكن من الصلاح، ولم يبق بينهما فرق، إلا أن أحدهما أحسن الاختيار لنفسه فأطاع الله تعالى، وامتثل أوامره، واجتنب نواهيه، والآخر أساء الاختيار لنفسه فعصى باختياره وكان يمكنه أن يطيع ويبلغ منزلة صاحبه فاتبع هواه وخالف أوامر الله تعالى فهلك وخسر، فمن نفسه أُتِيَ لا من قبل الله تعالى؛ فاللوم عليه حيث أوقع نفسه في أليم العذاب مع ما حرمها من جزيل الثواب، لا على من عرضه للخير وأراده منه.
  ومثلنا ذلك: بإدلاء الحبلين إلى غريقين فتشبث أحدهما فسلم من الغرق، وترك الآخر التعلق بالحبل فغرق، ومثلنا: بتقديم الطعام إلى جائعين قد أشرفا على الهلاك فأصاب أحدهما من الطعام فسلم، ولم يأكل الآخر فهلك؛ فلا لوم على من أدلى الحبلين أو قدم الطعام بل يعد منعماً عليهما معاً؛ لأنه فعل مع كل واحد منهما مثل ما فعل مع الآخر.
  فلو قيل: إن ذلك قبيح في حق من أهلك نفسه بالغرق والهلكة من ترك الطعام لقيل إنه قبيح في حق من انتفع بهما؛ لأن ما صدر إليهما كان على حد