كتاب الشافي،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

[دليل السمع يمنع من إسقاط العقاب]

صفحة 232 - الجزء 3

  وصورها، كطاعة المشائخ ومعصيتهم، فلهذا قلنا: لا يعلم الصغير والكبير إلا بمعرفة مقدار المستحق عليهما، ليعلم المحبِط من المحبَط، وذلك مما استأثر الله بعلمه.

  وأظهر لنا من ذلك ما أذن به سبحانه على لسان نبيه ÷ من تعداد شيء من الكبائر، وحكم ما أوجبه سبحانه من الحدود على وجه العقوبة كما قدمنا، فما على من عمل بالعلم واتبع الدليل من لوم أو تعنيف، حتى يلحقه الفقيه ما ألحقه من الذم والنبز القبيح، لولا قلة الأدب والدين.

[دليل السمع يمنع من إسقاط العقاب]

  وقد دخل تحت ما ذكرنا جواب ما شرعه، إلى قوله [أي الفقيه]: «فإن قيل: هو على اعتقاده أنه لو بقي أبد الدهر بقي على الكفر. قيل: واعتقاده أن يعمل غير اعتقاده إن عمل، أليس من غصب ألف دينار على اعتقاده أنه لو ظفر بألف غصبها لم يؤاخذ بالألف الآخر، كذلك ما نحن فيه؛ فالعدل المعقول إذاً ما ورد به الشرع، والحكم المشروع ما دل العقل عليه، وهو أن العبد إذا كان مصدقاً بقلبه، مخبراً عن تصديقه بلسانه، مطيعاً لله تعالى في بعض ما أمره به، عاصياً في البعض، استحق المدح بقدر ما أطاع، والذم بقدر ما عصى في الحال، واستحق الثواب بقدر الإيمان والطاعة، والعقاب بقدر العصيان في المآل.

  ثم يبقى أن يتعارض أمران أحدهما: أن يثاب أولاً ثم يعاقب مخلداً، والثاني: أن يعاقب أولاً ثم يثاب مخلداً فليس في العدل والفضل القسم الأول، فإن رحمة الله أوسع من ذنوب الخلق، وفضله أرجى من العمل، ولا تنقصه المغفرة، ولا تضره الذنوب، ولأن الإيمان والمغفرة أحق بالتخليد عدلاً وعقلاً من معصية مؤقتة، ولأنه لم يؤثر أن أحداً يخرج من الجنة إلى النار؛ فيبقى القسم الثاني إن لم يعف الله ø».

  فالجواب: «أن ما أورده من السؤال من العزم على بقاء الكافر على كفره، وما أجاب به من الفرق بين العزم والفعل، وما مثله من غصب ألف، والعزم على غصب ألف آخر، وأنهما لا يستويان - كلام لا يحتاج إليه في هذا الباب؛ لأن