كتاب الشافي،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

[افتراق الناس في حكم الثلاثة]

صفحة 206 - الجزء 2

[افتراق الناس في حكم الثلاثة]

  وعلى أنا لا نرى تعجيل اللعن والسب⁣(⁣١)، وإن ورَّكْنَا عليهم بذلك التخطية والذنب؛ لأنه لم يظهر حكم تلك الحوادث فلو علمنا كونها مكفرة بطاعاتهم لزال الإشكال، وبقوا على أصل السلامة، ورعينا ما يجب من حقهم السابق في


(١) قال ¦ في التعليق: أقول الأولى في تجميل المشائخ والتوقف هو ما أشار إليه الإمام # من أنه لم يعلم كبر معصية القوم.

وأما أنَّا نفرض بأنهم لم يعلموا أدلة إمامة علي # ولم يعرفوا وجه دلالتها فهذا من أبعد البعيد؛ كيف وهم المشافهون لها من النبي ÷، وهم من أهل الذكاء ومن صميم العرب، وأعرف بمقاصد الخطاب وأسبابه، فكل دليل يبلغهم يعلمون المقصود به ضرورة.

وكيف نقدر أنَّا نعرف وجه الدلالة ونعلمها على تأخرنا بمئين من السنين ثم نُجوِّز أن الصحابة جهلوا؟! هذا ما لا يكون.

على أنه قد روي عنهم الإقرار بأن الأمر لعلي وإنما يتعللون بأعذار باردة مثل قول عمر: (أول من زالكم عن هذا الأمر أبو بكر)، وقوله لابن عباس: (أتدري لم صرفكم قومكم عن هذا الأمر؟ ثم قال: لكني أدري؛ كرهوا أن يجمعوا لكم الخلافة والنبوءة. ثم قال له ابن عباس: (إنك لتعلم من صاحب الأمر)، وكذا قال علي: (لقد تقمصها ابن أبي قحافة وإنه ليعلم ... إلخ).

ولم أنبّه هنا إلاَّ أنه لا يزال الإمام يتكلم بمثل هذا وغرضه تجميل حالهم وترك التبري منهم خلا أن من سمعه ممن لا ذكاء له ينقدح الشك في قلبه، أو من في قلبه مرض وهو معرض عن التمسك بسفن النجاة يجعل ذلك ذريعة إلى القدح في وجه دلالة الأدلة فيقول: (لو دلّت لم تخف على الصحابة)؛ وكأنه قد علم بقاطع أنه خفي عليهم.

أَوَلَمْ يعلم أنه إذا نظر فيما ورد في علي من الآيات والأخبار المتواترة لفظاً مثل حديث الغدير والمنزلة، والمتواترة القدر المشترك مثل سائرها علم قطعاً بإمامة علي، وأنه لا يقدح في العلم بما دلّت عليه تلك الأدلة ابتزاز الأمر من المشائخ، سواء جوَّز جهلهم أم لم يجوِّز، لكن تجويز جهلهم متعذر لمشاهدتهم، ولأنه لا بد أن يعرفهم الباقون وإلاَّ خرج الحق عن أيدي الأمة؛ فما الملجي إلى أن نفرض الخفاء عليهم، وبأي وجه؟ ولم يثبت عصمتهم؛ فلا بد من القطع بأنهم تعمدوا المعصية التي ثبتت منهم بإجماع العترة وبسائر الأدلة، وكل على أصله في العَمد، فمن علم كبر معصيتهم حكم بفسقهم ولا حرج، ومن خفي عليه ذلك توقف.

وأما تجويز الخفاء عليهم فإنه يعود على أصلنا بالنقض، وهذا تنبيه ليكون على ذهنك في كل موضع يقع فيه مثل كلام الإمام هنا، والله الموفق. تمت.