[ذكر خبر أبي السرايا ¦]
  له بعض أهله: ماذا فعلت بنفسك وعشيرتك أتظن أن السلطان يدعك؟ بل يصرف والله همته وماله وجنوده إليك، فإن ظفر بك فلا بقاء، وإن ظفر صاحبك وكان عادلاً كنت عنده بمنزلة رجل من المسلمين، وإن كان على غير ذلك كنت قد عرضت نفسك وأهلك للهلاك، وأخرى: أن أهل هذه الأرض أعداء آل أبي طالب، وإن أجابوك الآن طائعين، فروا عنك غداً منهزمين على أنهم إلى خلافك أقرب، ثم تمثل:
  وأبذل لابن العم نصحي ورأفتي ... إذا كان لي بالجهر في الناس مكرما
  فإن زاغ عن نصحي وخالف مذهبي ... قلبت له ظهر المجن ليندما
  ففتل نصراً عن رأيه وفتَّر نيته وصار إلى محمد بن إبراهيم معتذراً، وحمل إليه خمسة آلاف دينار يستعين بها فكره محمد قبول المال، وانصرف مغضباً، وقال:
  سنغنى بحمد الله عنك بعصبة ... يهشون للداعي إلى واضح الحق
  طلبنا لك الحسنى فقصرت دونها ... فأصبحت مذموماً وفاز ذووا الصدق
  جروا ولهم سبق فصرت مقصراً ... ذميماً بما قصرت عن غاية السبق
  وما كل شيء سابق أو مقصر ... يؤول به التقصير إلا إلى العرق
[ذكر خبر أبي السرايا ¦]
  فمضى محمد راجعاً، فلما صار في ناحية السواد وقد كان علم أن أبا السرايا هنالك؛ فأمر جماعة من أصحابه قال: تجسسوا عن خبره؛ فسألوا عنه فما أنبأهم عنه أحد، حتى قال رجل: رأيت أعرابياً في تلك القرية معه أفراس له، قالوا: دلنا عليه، فتقدموا فجاؤا وفي يده مرآة وهو يداوي جراحة كانت في جبينه، فسلموا عليه، فقال: ما حاجتكم؟
  قالوا: نطلب ابن عم لنا. قال: ومن هو؟ قالوا: أبو السرايا. قال: وتعرفونه إذا رأيتموه؟ قالوا: نعرف الاسم ولا نعرف الشخص. قال: فأنا أبو السرايا،