[الكلام على الفقيه في معنى الظلم وممن يقبح؟]
  موجبين كثيرين، وهذه تخاليط لم يجمعها من له أدنى مسكة(١) من عقل، وقد جمعنا له في هذا الموضع ما فرقه في مواضع.
[الكلام على الفقيه في معنى الظلم وممن يقبح؟]
  وأما قوله: «ونقول أيضاً: الظلم والجور لا يتصور من الله تعالى في خلقه؛ لأنه ليس فوقه أحد يَحُدُّ له فيكون بمجاوزته ما يَحُدُّ له ظالماً، ولا تصرف في ملك غيره فيكون جائراً، ولا حكمته تشبه حكمة المخلوقين فيكون بفعله عابثاً؛ فليت شعري أي الأمرين أسلم؟ أنصدق الله تعالى فيما قال ونرجع على أنفسنا باللوم والتعيير فيما خالفنا فيه الشريعة من القول والأفعال؟! أم نقول: نحن مستبدون بخلق أفعالنا ولا يقدر الله على خلق شيء منها وأنه عاجز عن ذلك، وإنا نفعل ما نشاء عن طريق المغالبة والقهر له، والممانعة على إرادته؟! فقد بان لك أن مقالة المجبرة بأن الإنسان مجبر على جميع أفعاله، ملجأ إليها، مضطر إلى فعلها، وأنه لا فعل له أصلاً تجويرٌ للباري(٢)، وإبطالٌ للتكليف، وحسمٌ لباب الثواب والعقاب، ومقالة القدرية تجهيل الباري بأمر خلقه وتعجيز له عن تمام مشيئته فيهم؛ فكلا الصفتين لا تليق بمن وصف نفسه بأنه أحكم الحاكمين وأقدر القادرين، ووصف نفسه بقوله: {وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ ٥٩}[الأنعام]، وظهر لك أن أهل السنة والجماعة قد سلكوا طريقة سليمة من شناعة المقالين
(١) المسكة بالضم ما يتمسك به. انتهى قاموس.
(٢) قال ¦ في التعليق: قف على إقرار الفقيه بأن القول بالجبر يلزم منه تجوير الباري وهو ينقض ما صَدَّره عن عدم تصور الظلم في حقه الله، تعالى، وكذا الجور؛ إذ لا يلزم من القول بالجبر أن يخرج الباري عن التصرف في ملكه؛ فإقراره بلزومه لهم إقرار ببطلان حده للتجوير والظلم؛ لأن الله، تعالى [في] كونه لم تحد له الحدود، ولم يتصرف في ملك الغير نسبته إلى مذهب أهل الجبر، ومذهب العدلية ومذهب الفقيه على سواء، فتأمل، والله أعلم.
(الكلام في أن الظلم قبيح لكونه ظلماً) وقد استدل عليه في الأصل.