كتاب الشافي،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

[معنى التيسير في الخبر]

صفحة 245 - الجزء 2

  يتغير ولا يتبدل؛ لأنه سبحانه عالم بالعواقب كعلمه بما كان، وبما لا يكون لو كان كيف كان يكون على ما قدمنا من أنه تعالى عالم لذاته، فيعلم سبحانه جميع المعلومات على ما هي عليه، ومن جملة المعلومات أن يعلم من هو مطيع في الحال، وأنه سيصير عاصياً، ويعلم من هو عاص في الحال ويصير مطيعاً، فذلك يبطل مذهب المجبرة القدرية لقولهم: إن العبد ليس بفاعل على الحقيقة لا لطاعة ولا لمعصية، وكيف يكون على قولهم شقياً أو سعيداً ولم يفعل الشقاوة ولا ما هو طريق إليها، ولا فعل السعادة ولا ما هو طريق إليها.

[معنى التيسير في الخبر]

  وأما الكلام في التيسير، فيتبع ما ذكرنا من أن العبد فاعل، وإن لم يكن فاعلاً فكيف يفعل تعالى التيسير لفعل نفسه، فلذلك لا يحسن أن يقال: يسر عبده ليكون حراً أو ذكراً أو قرشياً، أو أبيض أو أسود ... إلى غير ذلك مما يتفرد الله تعالى به.

  وأما تيسير الله تعالى لمن أعطى واتقى فبأن أقدره على الفعل ومكنه منه، وأزاح علله، ولطف له، ووفقه حتى بلغ اليسرى باختياره لا بجبر الله تعالى؛ لأنه لو كان جبراً لكان التيسير عبثاً، وكيف ييسر عبده لشيء يخلقه هو؟ تعالى عن ذلك.

  وأما تيسير الله تعالى لمن بخل واستغنى؛ فبخلق القدرة التي تصلح للطاعة والمعصية، ومكنه بها من الأمرين جميعاً، وأمره بالطاعة، ونهاه عن المعصية، وفعل معه من التمكين والألطاف مثل ما فعل لمن له لطف مثله من مطيع أو عاص فخالف أمر الله تعالى، أو بخل بما أوجب الله تعالى عليه إنفاقه من ماله، وبما ألزمه من فعله فاستحق العذاب بجنايته وسوء اختياره من دون أن يوقعه الله تعالى في النار بغير جناية منه تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً.

  والعسر يكون حالة العذاب، وكل من بخل واستغنى عن الله تعالى استحق العذاب، وهي الحالة العسرى، والمصيبة الكبرى، وقد ذكره بحرف التنفيس، وهو السين، والعذاب حاصل في المستقبل؛ لأن الله سبحانه لا ييسر لفعل القبيح