كتاب الشافي،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

[أدلة الفقيه على أن الله يفعل ما هو قبيح عندنا]

صفحة 566 - الجزء 2

  عن معرفة الأسرار في أفعال رب العالمين.

  فمن ذلك: أن الله تعالى خلق الكفار وكلفهم مع علمه أنهم سيكفرون به وتكاد السماوات يتفطرن من فوقهم وتنشق الأرض وتخر الجبال هداً، ولو أنه بعد أن خلقهم تركهم مشتغلين بأكلهم وشربهم ولذاتهم كما ترك أنواع البهائم لكان أحسن من أن يكلفهم حتى يقع شتمه والكفر به هذا على أصل من قاس الشاهد بالغائب فيما يحسن ويقبح.

  فإن في الشاهد لو أن حكيماً من الحكماء كان يحب الطاعة والثناء الحسن، ويكره أن يعصى ويشتم ويخالف في شيء من أمره وله عبيد، فأخبره نبيء من الأنبياء أنك إن أهملت عبيدك هؤلاء وتركتهم اشتغلوا بالأكل والشرب ولم يتفرغوا لذكرك لا بحسن ولا بقبح؛ فإن كلفتهم امتثال أوامرك وحسن الثناء عليك خالفوا أمرك وشتموك ونسبوك إلى كل قبيح في المشاهد والمحافل؛ فإن كافة العقلاء يقولون له: إن كنت تكره أن تسمع القبيح فدعهم مهملين ويشيرون عليه في ابتداء الأمر لا تشتر عبيداً هذه صفتهم، ومهما خالف وفعل شيئاً من ذلك نسبه العقلاء إلى ضعف الرأي وقبح العمل».

  فالجواب: أنا نذكر له هاهنا أن الفقيه ما قبح ما ذكر إلا بناء على الشاهد الذي أبطل الاستدلال به، ولا يصح له إيراداته إلا على أن للعباد فعلاً، وهو ينفي ذلك كله، وعلى أن ما اعتمد عليه من هذه الأسئلة مستفاد من كلام الملحدة فإن ابن الراوندي وحده الملعون أورد من ذلك ستة وخمسين شبهة في نعت⁣(⁣١) الحكمة، وقد عرفنا جوابها أجمع بحمد الله وها هي عندنا وأمثالها، ولكن لو أورد الفقيه لأهل الإسلام سؤالاً كان أجمل به.

  على أنا قد قدمنا أن الله سبحانه عدل حكيم لا يفعل شيئاً من القبيح؛ فمتى


(١) ابن الراوندي هو أحمد بن يحيى بن إسحاق الراوندي.