[دعوى الفقيه أن وزير صاحب المدينة أعرف وأعلم ممن هو باب المدينة – والرد عليها]
  وما أشبه حالك في كلامك بكلام خالد القسري(١) في قوله: أرسول الرجل إلى أهله خير أم خليفته عليهم(٢)؟ فقالوا: خليفته، ولا يعلمون غرضه فقال: والله لو لم تعلموا فضل الخلافة على النبوة إلا أن خليل الله إبراهيم استسقى فسُقي ملحاً أجاجاً(٣)، واستسقى الخليفة فسقاه عذباً سمهجاً(٤)، يعني البئر التي حفرها الوليد بن عبدالملك، يضاهي(٥) بها زمزم شرفها الله، فخاست تلك البئر وطمس الله تعالى رسوم الضلال.
  ما معنى قولك: وزيره عارف بسره؟ وهل كان يعرف إلا ما عرفوه، وهم في بيت النبوة مجتمعين، ولفهم كساء التطهير دون العالمين؟!
  ولما قال: «باب مدينة العلم» عم ولم يخص، فلو دخل الوزير أو الخليل من غير الباب لاستحق اسم الخائنين، وكان من المعتدين، فإن يُذْهب بك فلقد كان القوم بعد استيلائهم على الأمر يرجعون إليه في العلم.
  وهل علمت: «لولا علي لهلك عمر»؟ أم لم ينته إليك ذلك، فقد ذكرت في
(١) خالد القسري: هو خالد بن عبدالله بن يزيد بن أسد القسري الدمشقي، أمير العراقين لهشام، وولي قبل ذلك مكة للوليد بن عبدالملك ثم لسليمان.
فيه نصب معروف، قال ابن خلكان: كان يتهم في دينه، بنى لأمه كنيسة تتعبد فيها وفيه يقول الفرزدق:
ألا قبَّح الرحمن ظهر مطية ... أتتنا تهادى من دمشق بخالد
وكيف يؤم الناس من كان أمه ... تدين بأن الله ليس بواحد
بنى بِيْعَةً فيها الصليب لأمِّه ... ويهدم من بغض منار المساجد
انتهى بتصرف من سير أعلام النبلاء.
(٢) قال ¦ في التعليق: وكذا روى الجاحظ أن الحجاج خطب بالكوفة فذكر الذين يزورون رسول الله ÷ بالمدينة فقال: (تباً لهم إنما يطوفون بأعواد ورمة بالية، هلا طافوا بقصر أمير المؤمنين عبد الملك وألا يعلمون أن خليفة المرء خير من رسوله).
(٣) الأجاج: ما يلذع الفم بمرارته أو ملوحته.
(٤) السمهج: السهل.
(٥) يضاهي: يشاكل أو يشابه.