كتاب الشافي،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

[الرد على شبهة أن خلق الله لأفعال العباد كعلمه بها وغيره من الشبه]

صفحة 109 - الجزء 2

  وهو لم يأت بذلك، على أن الخلق يخالف العلم من وجوه:

  منها: أن الله تعالى يعلم ذاته، ويعلم المعدومات كعلم الموجودات، ولا يقال إنه خلق ذاته كما علمها، ولا خلق المعدوم في حال عدمه؛ لأنه يكون موجوداً معدوماً، وهو تعالى يعلمه في حال عدمه.

  ومنها: أنه جمع بقوله: «إذ ما علم ø فلا بد من وجوده» فعقب العلم بالوجود، ومعلوم أنه تعالى يعلم ذاته، ولم يتعقب علمه وجود ذاته؛ لأن ذلك يقتضي حدوثه ø.

  ومنها: أنه قال: «وما خلقه فلا بد من حدوثه، والخلق هو الإحداث» فكيف يصح هذا اللفظ، وهل هذا إلا كأن يقول: وما حدث فلا بد أن يحدث، أو ما علم فلا بد أن يعلم، وهل يتلفظ بهذا من له أدنى تحصيل؟!

  ومنها: أن القدرة تؤثر في المقدور، والعلم لا يؤثر في المعلوم، وإنما يتعلق به العلم على ما هو به، ولهذا يعلم أحدنا القديم تعالى وفعله وفعل غيره كما يعلم فعل نفسه، ولا يقال: يفعله تعالى ويفعل فعل غيره؛ لأنه تعالى لا فاعل له لقدمه، وأفعاله وأفعال سائر الخلق تختص به تعالى وبهم؛ فلا يكون مقدور بين قادرين، ولأن عند الفقيه أنا نعلم أفعالنا ولا نفعلها، وعنده أنا نعلم أفعال الله ضرورة ولا نفعلها.

  ومنها: أن الله تعالى يَعلمُ فيما لم يزل أن العالم يحدث فإن كان العلم موجباً وجب حدوث العالم فيما لم يزل، أو أن لا يكون تعالى عالماً بحدوثه إلا عند حدوثه؛ فيكون تعالى قبل ذلك جاهلاً به، ويكون عالماً بعلم محدث.

  ومنها: أن العلم إن كان موجباً لوجود الفعل، والقدرة المحدثة للعبد موجبة له، والإرادة المحدثة موجبة له، وإخبار الله تعالى يوجب وجوده، والإرادة القديمة عنده موجبة له؛ فقد صار هذا الفعل صادراً عن إخبار الله، وعن