[مباحث في علم الله وعقل الإنسان واستطاعته وقدرته والعصمة]
  يفعله ويتقدم صحة وجوده على وجوده، وقد قدمنا أيضاً أن إرادة القبيح قبيحة من حيث يعلم أن صالحاً من عباد الله تعالى لو عن نفسه أخبر أنه يريد كل ما يجري في البلد من الظلم والجور والفساد وسائر الخبائث والقبائح ويحب ذلك ويشاؤه لكانت منزلته تسقط عندنا ووزنه يخف لدينا، ويصير بمثابة من واقع القبيح في وصفه بأنه فعل قبيحاً، وليس ذلك إلا لأنه أراد القبيح.
  وإنما قبح ما ذكرنا لأنه أراد القبيح، بدليل أنه لو كانت إرادة للحسن لما قبحت، فثبت أن وجه القبح هو أنه أراد قبيحاً، فلو ثبتت هذه العلة في حقه سبحانه وهو أنه أراد قبيحاً لوجب ثبوت حكمها، وإلا عاد بالنقض على أصل العلة، وذلك لا يصح؛ لأن ذلك يخرجها عن كونها علة في القبح على ما هو مذكور في مواضعه.
  وأما قوله: «أو يكله إلى حوله ويسلمه إليه».
  فالجواب فيه: ينبغي أن يفصل؛ فنقول: إن كان تعالى يعلم أن للمكلف لطفاً فعله تعالى له وإلا كان ناقضاً لغرضه بالتكليف، وكذلك يجب إزاحة سائر العلل المانعة من الفعل، وإن كان المكلف لا لطف له في المعلوم كفى في تكليفه خلق القدرة؛ فإن بها يصح الفعل، واللطف لا يحتاج إليه لما تتعلق به القدرة من إمكان الفعل أو وقوعه وإنما يحتاج إليه لتقوية داعية المكلف إلى أن يفعل؛ فاللطف غير موجب أيضاً، بل هو كالمرغب والمشير في الشاهد والباعث على الفعل.
  وأما قوله: «فإن عصمه مما يهم به من المعصية كان فضلاً، وإن وكله إلى نفسه كان عدلاً».
  فالجواب عنه: أن كلامه هنا مبني على أن الفعل يحصل من العبد باختياره، ثم يقع الكلام بعد ذلك في اللطف والعصمة والتخلية، وإن استقام على أن الفعل فعل العبد حسن الكلام فيما يتفرع عليه، وإن كان الله تعالى هو الخالق لفعل العبد كما يخلق سبحانه فعل نفسه فلا معنى للطف ولا للعصمة ولا