[أورادهم في الغناء واللعب]
  أدمن بالشراب في آخر أيامه عند خروجه إلى الشام في سنة خمس عشرة إلى أن توفي، وكان المعتصم لا يشرب ليلة الخميس ولا يوم الجمعة، وربما لم يشرب بعد الجمعة، وربما مر به الأسبوع فلا يشرب؛ فأما ليلة الخميس ويوم الجمعة فلا يشرب فيهما أصلاً، وكان الواثق ربما أدمن الشرب إلا ليلة الجمعة ويومها.
  فهؤلاء الذين ذكرناهم هم أهل الستر من القوم فما روى هذا عنهم إلا من يريد تشريفهم وتعظيمهم بما يحكي من أخلاقهم في السكر والصحو كما كانت تمدح الجاهلية، قال امرؤ القيس:
  شجاعة ذا وبر ذا ووفاء ذا ... ونائل ذا إذا صحا وإذا سكر
  ولم يختلف أحد ممن عرف أقوالهم في هذه الجملة، وهؤلاء كانوا يشربون مع الخواص، وربما جعلوا ذلك من خلف الستر بعلم الخواص ووصول ذلك التواتر إلى العوام؛ فروى من ذلك صاحب الأغاني أبو الفرج القرشي الأصفهاني | على علمه وفضله وصحة روايته ما روى، وكذلك الطبري وهو أحد الثقاة عند العامة، وكذلك مصنف كتاب التاج في أخلاق الخلفاء، ولم يدع فضيلة يقدر على ذكرها للقوم إلا ذكرها.
[أورادهم في الغناء واللعب]
  فهؤلاء الذين ذكرنا أهل الحزم والنهضة والكفاية والنبالة، والتشبه بالصالحين من القوم فالأمين محمد بن هارون ومن سواه من خلفاء بني العباس فلم يقتصروا على الشرب مع ثقاتهم من أهل بيتهم وأوليائهم، بل كانت الكبراء وأهل المراتب يركبون من بيوتهم ظاهراً في ثياب المنادمة ولا يقع في ذلك حراسة، وهارون المسمى بالرشيد، وكان من أصلحهم فكان من أشدهم اجتهاداً في احتذاء فعال جده أبي جعفر إلا أنه خالف جده أبا جعفر في أمر المغنين فإن أبا جعفر كان يحضرهم مجلسه على طبقاتهم ويضربون بالعيدان وهو خلف الستارة فإذا أعجبه الغناء دخل بعض الحجر وصفق بيديه ثم عاد إلى