كتاب الشافي،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

[جواب الإمام (ع) على فقيه الخارقة ورد اعتراضه]

صفحة 193 - الجزء 2

  فساد، وصدق وكذب، وزور وفجور - فالله تعالى المتولي لفعله لا فاعل له سواه، ولا خالق له إلا هو، وسائر الأحياء القادرين من الخلق لا فعل لهم جملة فلا لوم حينئذ لمن وقعت منه الأفاعيل من صدق أو كذب، أو هدى أو غواية، أو إغواء أو هداية؛ لأنه تعالى لا يجازي العباد على فعله، ولا يوجه إليهم الأمر والنهي بصنعه كما لم يفعل ذلك تعالى في ألوانهم وصورهم وطولهم وقصرهم، وسائر ما يفعله سبحانه وتعالى بهم.

  فلما علمنا توجه هذه الأحكام إليهم، وقضت بذلك العقول السليمة، والشريعة المطهرة المستقيمة، علمنا أن الفعل منهم حسنه وقبيحه لا من الله تعالى؛ فما هذه الغفلة عن مذهبه حتى ألحق اللوم من لم يفعل فعلاً على طريقته، والصحيح عنده من عقيدته.

  فأما الفرية التي افتراها على صاحب (الرسالة الرادعة المرضية لتخاليط ناصر القدرية) فحسابه عند رب العالمين.

  فأما المكافأة بالسباب أو الدخول في تلك الأسباب فلا يليق بذوي الألباب، قال الله سبحانه وتعالى: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ ١٩٩}⁣[الأعراف]، ولا جهل أعظم من أن يحكم بما لا يعلم، ويشهد بما لم يتحقق؛ لأنه قال في رسالته: إن هذا القائل ترك ما يعنيه وأقام على ما يرديه، ترك ما أمر به من الطاعات، وقطع عمره بفنون المجادلات، والفقيه - أبقاه الله! - إن كان يعلم الغيوب بغير وحي ينزل إليه فذلك فضل له على سائر الأنبياء سلام الله عليهم، وإن كان بدلالة فكان ينبغي أن يورد الدلالة لينظر فيها من طلب نصيحته، والحق أحق أن يتبع، فأما الوحي بعد النبيين $ فقد انقطع، وكيف يعلم أنه تقحم في الدخول في معاني الصفات، ولم تجر منه ولا إليه مكالمة في ذلك بنفي ولا إثبات، وكيف ألزمه أن الله تعالى لا يقدر على خلق الأفعال.

  فإن أراد أفعاله تعالى فقد فعل كثيراً منها وهو سبحانه قادر على ما لا يتناهى