[وجه حسن تكليف الكافر والمؤمن مع علم الله بفعلهما]
  ø؛ لأنا قد بينا أن ذلك يكون ابتداء بمشقة التكليف لغرض هو ضرر خالص، وهو قبيح، تعالى الله عنه.
  وبينا أن قوله تعالى: {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ}[الأعراف: ١٧٩]، والمراد به: وعاقبتهم المصير إلى النار، وهذه اللام لام العاقبة، وتسمى لام الصيرورة كما قال تعالى: {فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا}[القصص: ٨]، ومعلوم أنهم التقطوه ليكون لهم ولداً وقرة عين، لكن لما كان عاقبة أمره أن يكون لهم عدواً وحزناً أخبر تعالى بعاقبة الأمر، وقد تكلمنا على هذا الجنس فيما سبق.
[وجه حسن تكليف الكافر والمؤمن مع علم الله بفعلهما]
  وكذلك التيسير أنه تعالى مكن المطيع والعاصي على سواء بخلق القدرة التي مكن بها الفعلان على البدل(١) مع اتحاد الوجه والمحل، وإزاحة العلل، وفعل اللطف الذي يقوي الداعي إلى فعل الطاعة والانصراف عن المعصية، وإن لم يكن ملجئاً ولا حاملاً على الفعل، بل حظه كالمشير والمنبه لا غير، فأحسن المؤمن النظر لنفسه، وأساء العاصي النظر لنفسه، ويصير حالهما كحال(٢) غريقين أدلي إليهما حبلان فتشبث أحدهما فنجا، ولم يتشبث الآخر فهلك، وكتقديم الطعام إلى جائعَين قد أشرفا على الهلاك فتناول أحدهما من الطعام ما استقام به رمقه، وترك الآخر التناول فهلك جوعاً؛ فاللوم في ذلك على من ترك التخلص من الغرق والجوع والإنعام شامل لمن أدلى إليهما الحبلين، وقدم إليهما الطعام، كذلك حال المؤمن والكافر كما قدمنا.
(١) تقدم في حاشية الجزء الأول توضيح معنى البدل ومن أحدثه وشروط صحته عند أصحابنا ص (١٣١).
(٢) هذا وجه حسن تكليف من علم الله أن يموت كافراً.