كتاب الشافي،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

[بحث مفيد في أن الثناء على غير المعصوم لا يمنعه من التغيير والتبديل]

صفحة 262 - الجزء 2

  إلا برفض هذه المخاريق والأسباب، والله الموفق للصواب.

  ولهذا قال سبحانه: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا ١٨}⁣[الفتح]، فأخبر تعالى أنه رضي عنهم يومئذ.

  وقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا ١٠}⁣[الفتح]، فأخبر تعالى أنه من نكث بعد بيعته وبعد رضاه عنه، فوبال نكثه على نفسه، وذلك يدل على أنه لو نكث بيعته لغضب عليه بعد رضاه عنه؛ لأن رضاه سبحانه عن المؤمن إرادة تعظيمه وإجلاله أنه يريد إثابته لما تقدم منه مع استقامته؛ فإذا عصى ذلك المؤمن أو ارتد عن الإيمان سخط الله عليه، وسخطه هو أن يريد العقاب له والاستخفاف به، وإذا كان الكافر المغضوب عليه قد يسلم فيصير مرضياً عنه، والمؤمن المرضي عنه قد يرتد فيصير مغضوباً عليه، لم يمتنع أن يرضا سبحانه بعد سخط، ويسخط بعد رضا.

  وعلى أنا قد بينا أن من جملة الصحابة المرضي عنهم من خرج على أمير المؤمنين # يوم الجمل ونكث بيعته، وبغى عليه؛ فقاتلهم وقتل كثيراً منهم.

  ومعلوم أن الخروج على إمام الحق ومحاربته فسق عند الكافة، ولهذا سماهم الناكثين، وتحريم قتل المؤمن والوعيد عليه يعلم ضرورة؛ فلو كانوا في تلك الحال مؤمنين لما حل قتلهم، ومن حل قتله على ذلك الوجه فهو مغضوب عليه غير مرضي عنه فاعلم.

  وروينا عن النبي ÷ أنه قال: «إنك تقاتل بعدي الناكثين والمارقين والقاسطين» يعني بالناكثين أصحاب الجمل، وبالمارقين أهل النهر من الخوارج، وبالقاسطين معاوية وأصحابه؛ فلا يصح قول من يقول: من رضي عنه فلا يعصي بعد ذلك، ولا يسخط الله عليه.