كتاب الشافي،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

[بحث مفيد في أن الثناء على غير المعصوم لا يمنعه من التغيير والتبديل]

صفحة 263 - الجزء 2

  على أنا قد بينا أنا لا نوجب بهذا القول تفسيق من تقدم على أمير المؤمنين #، ولا نقول: إنه سبحانه قد سخط عنهم بعد رضاه عنهم، بل نقول: إن هذه الخطيئة إلى الله سبحانه يحكم فيها بما شاء، ولا نقطع أنها محبطة لما تقدم لهم من السوابق العظيمة والمساعي الحميدة، ويسعنا في ذلك أن نكل الأمر فيه إلى الله، ولا نقطع على أمر بغير دلالة.

  فأما من خرج عليه وحاربه فإنه قد عصى الله سبحانه، وارتكب الكبير من الإثم، لكن الرواية قد رويت بتوبة الأكابر من الصحابة كطلحة والزبير وعائشة⁣(⁣١)، وقد روي عن أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام أنه وقف على


(١) قال ¦ في التعليق: ينظر في صحة توبتهم، أمَّا طلحة فلعله كالُملجأ، ولعله خشي من الإجهاز، وأمَّا الزبير فلو كانت منه توبة صحيحة لم يفر ويترك الناس يقتتلون، ولعدل إلى جانب علي، ولبيَّن للناس، وقد قال الله: {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا}⁣[البقرة: ١٦٠]، فلم يُصلح، ولم يُبيِّن، وأمَّا الرواية عن علي: (إني أرجو ... إلخ) [أن أكون أنا وطلحة والزبير من الذين قال الله تعالى فيهم: {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا}⁣[الحجر: ٤٧]، أو كما قال] فأخْلِق بها أن تكون مكذوبة، وقد قال ابن حجر: سنده ضعيف جداً؛ فإن كلامه فيهما ومقاماته وخطبه من نحو قوله: (فكان نكثهما كردّتهما)، وقال علي لما مرّ على طلحة قتيلاً: (أجلسوه)، فَأُجِلسَ، فقال: (ويل أمك طلحة؛ لقد كان لك قدم لو نفعك، لكن الشيطان أضلك فأزلّك فعجلك إلى النار). قاله أبو مخنف في كتابه، ذكره شارح (نهج البلاغة) عبدالحميد بن أبي الحديد ¦، وغير ذلك من سبّهما بعد يوم الجمل ما يقضي بأنه لم يكن منهما إلاَّ الإصرار لو لم يكن إلاَّ دعاؤه عليهما بقوله: (ولا تغفر لهما أبداً).

وأمَّا عائشة فليس بكاؤها وتمنّيها بصريح في توبتها؛ بل لا يزال قلبها يغلي على عليٍّ، وقد صرّح بذلك علي # في خطبته، وقد روي أنه لما بلغها قتل علي خرّت ساجدة وتمثلت بهذه الأبيات:

وبشرّها فاستعجلت عن خمارها ... وقد تستفز المعجلين البشائر

وخبّرها الركبان أن ليس بينها ... وبين قرى مصر ونجران كافر

فألقت عصاها واستقر بها النوى ... كما قرّ عيناً بالأياب المسافر

رواه في (مقاتل الطالبيين) مسنداً. ورواه الطبري في تاريخه وزاد فيه: فمن قتله؟ قيل: رجل من مراد، فقالت: فإن يكن ناعياً فقد نعاه غلام ليس فيه التراب، فقيل لها: ألعلي تقولين ذلك؟ فقالت: إني أنسى! ... إلخ)، ولو صحت توبتهم لم يتعرّض علي في آخر أيامه إلى ذكرهم بسوء =