كتاب الشافي،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

[بيان جهل الفقيه بموارد اللغة العربية]

صفحة 322 - الجزء 2

  بالصريح من القول، ولا يعجل عليهم فيما لا يعرف معناه بأنه لا معنى له، ولو أنه لما سمع الخبر ولم يعرف معناه قال: لا يعرف⁣(⁣١) له معنى كان أحسن من أن ينفي المعنى حيث لم يعلمه فما جهله المرء أكثر مما علمه، ولو سلك إنسان مثل هذه الطريقة فيما يجده من آيات القرآن الكريم في حكم المتدافع مثل إثبات التوحيد مصرحاً وحكاية ما يظن السامع بظاهره التشبيه، حتى احتاج العلماء إلى معرفة المحكم والمتشابه، والفرق بينهما، وذكر الحقيقة والمجاز والفرق بينهما، وذكر الحقائق وانقسامها، وأنها أولى بحمل ظاهر الخطاب عليه، وذكر المجازات وانقسامها إلى أقرب وأبعد وغير ذلك من أقسامها.

  وتبيين أن حمل الخطاب على أحد الحقائق ما أمكن أولى من المجاز فلو كان الفقيه مشافهاً لأهل هذا الشأن لأقام لهم هذا البرهان بأن يقول فيما كان في ظاهره حكم المتدافع: لا معنى له وما أظنه من جملة القرآن، وهذه من جملة الخصال التي تفرد بها الفقيه عن سائر العلماء، أن ما لم يعرف معناه ينكره أو يقول: لا معنى له.

  ولقد أضحكت من له معرفة بعلم اللغة بغرابتك التي أودعتها رسالتك! ألم تعلم أن أهل اللسان متى اختلف اللفظ ذكروا ما يؤدي إلى المعنى الأول، كقولهم: الحسام الصارم، والصمصامة الخذم، وما جانس ذلك، وفي خطبهم ورسائلهم.

  وأظهر من ذلك دليلاً، وأهدى سبيلاً، قوله تعالى في سورة الرحمن: {فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} حتى ذكر ذلك في أنواع العذاب، وطعن بذلك الملحدون فأخزاهم الله تعالى بعلماء اللسان العربي، وبينوا وجود ذلك في لسان العرب الذي نزل القرآن بلغتهم كما قال تعالى: {بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ ١٩٥}


(١) لا أعرف (نخ).