كتاب الشافي،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

[الحوار في حديث فضل أهل البيت على الناس وتصحيحه]

صفحة 325 - الجزء 2

  وإن زعمت أن فضله لاستخراج الدهن منه فكم من زهر له رائحة أذكى من رائحته ودهن أفضل من دهنه، إنما أنت تتكلم على الاتفاق ما عرض لك أوردته فمن أجل هذا قلت: إنك جئت شيئاً كأنه غثاء السيل، أو كأنك حاطب ليل».

  فالجواب: أن الخبر قد صح لنا لما صحت عدالة رواته، وسلامة متنه، وتخلصه من معارضة الكتاب والسنة، وكل خبر هذه صفته قضي بصحته إن كنت من أهل الشأن، وما إخالك كذلك، إلا أن تكون قلت ما تقضي معرفتك بخلافه، فالجرم أعظم والاعتراض على النبي ÷ في التمثيل، فقد جاءنا بتشريف بقاع من الأرض وغيرها أحسن منها وأشهى إلى القلوب وأحسن منظراً، أنهارها مطردة وثمارها متدلية، وحدائقها أنيقة؛ فأخبرنا بفضل مكة حرسها الله تعالى وهو واد غير ذي زرع، فقطعنا على أنه أفضل بقاع الأرض، كذلك إذا قضى بفضل البنفسج على سائر الأزهار قضينا؛ لأنه لم يمثل به إلا وهو أفضل عنده، والمحب يسلم لحبيبه.

  فأما إن كان أعلم وأحكم فبغير الاختيار، والفقيه لا يجهل فضل النبي ÷ فيما نظن، ويتابعه في مرغوبه، وقد نطق بذلك لسانهم قال شاعرهم:

  أهوى هواه ويهوى ما هويت له ... فقد قنعت به إلفاً وقد قنعا

  وقال آخر:

  ما شئت شئنا وإن كلفتنا شططاً ... وما كرهت فكره عندنا قذر

  وأن ما علمه أهل العلم بشأن البنفسج من أهل المعرفة فإن الدهن الذي يطبخ فيه متى ترك في راحة الإنسان شم من قفاها، ولا يعلم ذلك في غيره من الأدهان؛ فأي شيء أبلغ من هذا؟ ولا اعتبار بحدة الرائحة من المشاهدة أن الزَّبَاد⁣(⁣١) أحَدُّ رائحة من العنبر، وبينهما ما قد علمه الناس.


(١) الزباد: دابة يجلب منها الطيب، والزباد: الطيب، وهو رشح يجتمع تحت ذنبها على المخرج، =