كتاب الشافي،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

[جواب الإمام على رد الفقيه على القرشي]

صفحة 365 - الجزء 2

  والوجه الثاني من خطئه: أن جمع بين فعل المطيع والعاصي مع اختلاف أحكامهما واختلاف كيفية إضافتهما.

  أما اختلاف الأحكام فظاهر فإن بالطاعة يستحق المدح والثواب، وبالمعصية يستحق الذم والعقاب.

  وأما اختلاف كيفية الإضافة؛ فقد بينا أن الفعلين معاً هما من المطيع والعاصي دون أن يكون الله تعالى فاعلاً لهما، لكن يصح إضافة الطاعة إلى الله تعالى من وجه غير الخلق وغير الإحداث، وهو أنه تعالى أراد الطاعة وكره المعصية، ورغب فيها ووعد عليها بالثواب بخلاف المعصية، وسميت القدرة على الطاعة معونة، ولم تسم بذلك في حق المعصية؛ لأن المعونة هي التمكين من الفعل مع الإرادة له، وقد أراد سبحانه الطاعة ورغب فيها، وكره سبحانه المعاصي ونهى عنها.

  فالفقيه لبّس في رسالته فقال: «إن مشيئتهم منوطة بمشيئته»، ولم يفصل ذلك كما قلنا؛ فإن جرى في ذلك على عمومه بقي ما ألزمه صاحب الرادعة متوجهاً عليه، وكيف يحمد من يخلق الكفر، وقدرته الموجبة له، وإرادته الموجبة التي لا انفكاك للمكلف مع ذلك عن الكفر والفسوق؛ فكيف يتوجه الحمد والشكر مع هذه الحوائل والموانع والقيود والأسدة؟!

  وإن جعل جوابه معيناً في فعل المطيع لزمه ما ذكرنا من أنه إقرار بأن العبد فاعل، ومن أنه ألزمه فعل الكافر، وما فعل معه أو أوقعه الفاعل على زعم المجبرة فيه؛ فأي انفصال جرى من كلام الفقيه عما ألزمه خصمه أنه لا نعمة على الكافر على مذهب المجبرة، فيلزم الشكر عليها؟ لولا قلة التحصيل والذهول عن معرفة الدليل، وتعلقه بالمدلول.

  على أن الفقيه قد صرح بما يزيل الإشكال في مناقضته حيث أضاف الفعل أولاً إلى العبد، ثم قال بعد ذلك في احتجاجه على صحة الحمد لله تعالى: فإذا لم يصح الحمد من هؤلاء على توفيق الله وعصمته مع اعتقادهم أن ذلك من الله لا