كتاب الشافي،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

[لا يجب حمد الله ولا عبادته على قول المجبرة]

صفحة 370 - الجزء 2

  الأمور لا يتم العلم بها ما لم يعلم أنه تعالى لا يفعل القبيح، وعند المجبرة أن كل قبيح من جهته تعالى.

  وإنما قلنا ذلك: لأنا لا نعلم أنه قصد النفع دون الاستدراج إلى الهلكة وإرادة التعذيب إلا بعد العلم بأن ذلك قبيح، وأنه تعالى لا يفعل القبائح أجمع، فكذلك سائر ما ذكرنا من أصول النعم التي بها يستحق العبادة، وإذا لم تكن معرفة ذلك مع القول بمذهب المجبرة لم يجب الشكر عليه؛ لأن الشكر إنما يجب على النعمة.

  والنعمة: هي المنفعة الحسنة الخالصة التي قصد بها فاعلها الإحسان إلى الغير، وقد بينا أن ذلك يتم على مذهب أهل العدل دون المجبرة القدرية.

  وإذا لم يجب الشكر لم تجب العبادة؛ لأنها جارية مجرى الشكر من حيث إنها تفعل على سبيل التذلل للمعبود، وإذا لم تجب العبادة لم يكن رباً لهم؛ لأن الإله هو من تحق له العبادة، وكفى بالمذهب خزياً ونكالاً أن لا يكون الله تعالى إلهاً لأحد؛ فقد عرفت انسداد الأبواب العقلي منها والشرعي مع القول بأن أفعال العباد من الله تعالى.

  وأما تمويهه بقوله [أي الفقيه]: «فلا معنى عندهم لحمد الله تعالى على شيء لا يتولاه».

  فالجواب: أنه وإن كان فعلهم، فهو سبحانه الذي أقدرهم وكلفهم ولطف بهم ووعدهم وأوعدهم، ولولا هذه الأمور ما وقع منهم حمد، ولا تمكنوا منه، وقد يكون الحمد على إحداث فعل، وقد يكون على التمكين منه والهداية والتوفيق، فلم يصح ما مَوَّهَ به وزَيَّفَ، وكيف يصح على مذهبه أنه تعالى أقدر على الطاعة وهو فاعلها، والقدرة عنده أيضاً موجبة للفعل، وكذلك الحراسة عن المعصية إذا كان تعالى يفعل المعصية والقدرة الموجبة لها فكيف يحرسه عنها؛ فكأنه تعالى –على موضوع قوله - يخلق الطاعة والقدرة الموجبة لها ويأمر بها، وينهى عن تركها، ويَعِدُ على فعلها، ويتوعد على تركها.