كتاب الشافي،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

[استدلال الفقيه بالقرآن على أن الله يريد استدراج المكلفين إلى الهلاك والرد عليه]

صفحة 372 - الجزء 2

  [قال الفقيه: ] «فغفل عن قوله تعالى: {أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ ٥٥ نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَل لَا يَشْعُرُونَ ٥٦}، ثم رد عليهم لما زعموا كما زعمت، وظنوا كما ظننت، فقال: {بَل لَا يَشْعُرُونَ}، ثم ذكر عقيب هذا من إرادة المسارعة لهم بالخيرات فقال: {إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ ٥٧} ... إلى قوله: {أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ ٦١}⁣[المؤمنون]، وقال ø: {سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ ٤٤}⁣[القلم].

  فالجواب: أنه حقق ما ألزمه صاحب الرسالة، وصحح ما حكى عنه من أن غرضه تعالى هلاكهم وعطبهم ابتداء بغير ما جرم متقدم منهم، مع أنه لا يصح له الاستدلال بهذه الآية على ذلك من وجهين:

  أحدهما: أنه لا يمكنه الاستدلال بالقرآن إلا بعد ثبات أنه كلام حكيم لا يجيز الكذب، ولا يظهر المعجز على كاذب، وذلك مبني على أن الكذب قبيح، وأن الله تعالى لا يفعل القبيح، وذلك ينبني على أنه تعالى لا يخرج المعجز على كاذب؛ لأنه يجري مجرى التصديق له في دعوى النبوة، ومعلوم أن من قال للكاذب فيما كذب به: صدقت فيما قلت، كان هذا المصدق كاذباً؛ لأنه أخبر عن الشيء لا على ما هو به، وذلك كذب والكذب قبيح، والله تعالى لا يفعل القبيح.

  فقد أريناك أنه لا يمكن الاستدلال بالكتاب الكريم والسنة الشريفة إلا بعد نفي القبائح عن الله سبحانه؛ فكيف يصح الاستدلال ممن يرى ويعتقد أن كل كذب وزور، ومعصية وفجور، وفسق وكفر لا خالق له ولا محدث ولا فاعل له إلا الله تعالى، وأن الكفار والشياطين والجبارين، والمردة والفاسقين، لا فعل لهم أصلاً، فما الأمان مع هذا أن يكون ما في القرآن الكريم كذب⁣(⁣١) وزور، وتلبيس


(١) كذا في النسخ، ويحمل إما أن تكون شانية، والجملة خبر، وإما أن يكون على لغة ربيعة، أو على لغة من يجيز جعل الاسم نكرة مع وجود المعرفة ومنه قول حسان: يكون مزاجها عسل وماء، =