كتاب الشافي،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

[اعتراف الأشعرية بأنه لا يمتنع الكذب عليه تعالى لكونه صفة نقص]

صفحة 387 - الجزء 2

  متى وقع من الله تعالى وإن قَبُحَ مثله من عباده، فما يؤمنه أن يكون ما زعمه دليلاً من جملة ما جوّز فعله على الله تعالى، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً.

  وكذلك ذكرنا له أنه لا يمكنه الاستدلال بالأخبار، ويعتمد على صحة سندها على مذهب من يجوز حسن الشيء من الكذب؛ لأن من اعتقد ذلك لم يؤمن أن يكون استعمل منه شيئاً⁣(⁣١).


(١) قال ¥ في التعليق: وأمَّا هرب الأشاعرة إلى قولهم: الكذب صفة نقص والله منزه عن النقص. فلا يجديهم؛ لأنه لا بد من أن يفرقوا بين الصدق والكذب، ولا يجدون فرقاً إلاَّ كما يفرق بين العدل والجور ونحوهما من أنه للقبح في أحدهما وانتفائه في الآخر.

وأمَّا تسمية الوجه في قبح الكذب بالنقص فلا يعقل إلاَّ أنه القبح.

ثم إن للعدلية أن يقولوا في سائر الأفعال المتنازع فيها بأنه يمتنع على الله نحو الظلم وسائر ما تقول بقبحه؛ لأنه صفة نقص.

[اعتراف الأشعرية بأنه لا يمتنع الكذب عليه تعالى لكونه صفة نقص]

ولذلك قال بعض الأشاعرة كما ذكره ابن الهمام في (المسايرة) وشارحه المقدسي في المسامرة لا تتم استحالة النقص على الله تعالى إلاَّ على رأي المعتزلة القائلين بالقبح العقلي.

وقال إمام الحرمين: لا يمكن التمسك في تنزيه الباري من الكذب لكونه نقصاً؛ لأن الكذب عندنا لا يقبح لعينه.

وقال صاحب (التلخيص): الحكم بأن الكذب نقص إن كان عقلياً كان قولاً بحسن الأشياء وقبحها عقلاً، وإن كان سمعياً لزم الدور.

وقال العضد صاحب (المواقف): لم يظهر لي فرق بين صفة النقص والقبح العقلي؛ بل هو هو بعينه. ذكر معنى هذا إسحاق العبدي في (الاحتراس)، والحمد لله.

قال فيه: ولهذا أقرَّ في شرحه (لمختصر ابن الحاجب) بأنه لا يمتنع الكذب منه تعالى عقلاً.

وقد أوردت البراهمة على إثبات النبوات بأن النبي ÷ إن جاء بما تقبله العقول وتحكم به، ففيها غُنْيَة عنه ولا حاجة إليه، وإن جاء بما لا تقبله العقول فذلك دليل على كذبه فلا يقبل فيما جاء به.

وهذه شبهة منهم لا يمكن الأشاعرة الجواب عنها أصلاً. حتى قال الرازي: لا يمكن الحكم بصحة ما جاءت به الأنبياء إلا على أصول المعتزلة. انتهى منه [أي من الاحتراس للعبدي (|)].

فإن قالوا: كلام الله صفة ذاتيَّة له تعالى، والكذب نقص فلا يجوز عليه تعالى.

قلنا: وإن سلم لهم فلم يثبت صدق ما أنزل الله وجاء به محمد ÷ من القرآن والسنَّة؛ إذ هما عبارة عن الصفة الذاتيَّة [فهما] فعلان، وإذا امتنع الكذب في الكلام، الذي هو صفة، فما وجه =