[كلام ابن عباس وعثمان والحسن البصري وعمر بن عبدالعزيز]
  الشام يزعمون أنك تقول: إن المعاصي بقضاء الله، فقال: يا غيلان ألست تراني أنكر مظالم بني أمية وأردها، أتراني أنكر قضاء الله سبحانه وأرده(١)؟!
(١) قال ¦ في التعليق: وروي أن أبا حنيفة قال: دخلت المدينة فأتيت أبا عبدالله فسلَّمت عليه، وقمت من عنده، ورأيت ابنه موسى في دهليزه قاعداً في مكتبه وهو صغير السن. فقلت له: أين يحدث الرجل عندكم إذا أراد ذلك؟ فنظر إليّ وقال: يتجنب شطوط الأنهار، ومسقط الثمار، وأفناء الدور والطرق النافذة والمساجد، ويضع ويرفع بعد ذلك حيث يشاء. قال: فلما سمعت هذا القول نبل في عيني وعظم في قلبي؛ فقلت له: جعلت فداك ممن المعصية؟ فنظر إليّ ثم قال: اجلس حتى أخبرك، فجلست. فقال: إن المعصية لا بد أن تكون من العبد أو من ربِّه أو منهما جميعاً، فإن كانت من الله فهو أعدل وأنصف من أن يظلم عبده ويأخذه بما لم يفعله، وإن كانت منهما فهو شريكه، و القوي أولى بإنصاف عبده الضعيف، وإن كانت من العبد وحده فعليه وقع الأمر، وإليه توجه النهي، وله حق العقاب والثواب، ووجبت الجنَّة والنار، قال: فلما سمعت ذلك منه قلت: {ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ٣٤}[آل عمران]، ذكر هذا أبو القاسم المرتضى في أماليه.
قال: وقد نظم هذا المعنى شعراً فقيل:
لم تخل أفعالنا الَّلاتي نذم بها ... إحدى ثلاث خلال حين نأتيها
إمَّا تفرد بارينا بصنعتها ... فيسقط اللوم عنا حين نأتيها
أو كان يشركنا فيها فيلحقه ... ما سوف يلحقنا من لائم فيها
أو لم يكن لإلهي في جنايتها ... ذنب فما الذنب إلاَّ ذنب جانيها
انتهى والحمد لله.
وروي أيضاً عن أبي الجعد قال: سمعت الحسن البصري يقول: من زعم أن المعاصي من الله جاء يوم القيامة مسوداً وجهه ثم تلا: {وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ}[الزمر: ٦٠]). ذكره المرتضى في أماليه. تمت.
وعنه ÷: «قال الله يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي إلى أن قال: - إنما هي أعمالكم أحصيها عليكم ثم أوفيكم إياها، فمن وجد خيراً فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلاَّ نفسه». أخرجه أحمد ومسلم وأبو يعلى عن أبي هريرة قاله السيوطي في (الجامع الصغير) وهذا صريح في نسبة العمل إلى العبد. تمت.
وقال ابن القيم في سياق ذمه لقوم احتجوا بالقدر وحملوا ذنوبهم على ربِّهم: وبلغ بعض هؤلاء أن علياً # مر بقتلى النهروان فقال: بؤساً لكم لقد ضركم من غركم، فقيل: من غرهم؟ فقال: الشيطان والنفس الأمارة بالسوء والأماني. فقال هذا القائل: كان علي قدرياً، وإلاَّ فالله الذي غرهم، وفعل بهم ما فعل، وأوردهم تلك الموارد. انتهى.