كتاب الشافي،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

[استدلال القرشي على أن أفعال العباد منهم وإبطال الكسب]

صفحة 492 - الجزء 2

  علماء الإسلام أن أفعال العباد الغي منها والرشاد منهم لا من الله تعالى، وخالفت في ذلك المجبرة القدرية مع اختلافهم أيضاً في ذات بينهم، فقال جهم بن صفوان: وطبقته من المجبرة القدرية: إن الله تعالى خالق لجميعها، ولا فعل لأحد من عبيده أصلاً، وقال: إن إضافة الأفعال إليهم كإضافة ألوانهم وصورهم إليهم، وكإضافة الحركة إلى الشجرة.

  وقال ضرار بن عمرو وطبقته: إن الأفعال من الله تعالى من جهة الخلق، وهي من العبد من جهة الكسب، وسوى في ذلك بين المباشر منها، وهو ما يوجد في غير محل القدرة كالجراحات التي تحصل بالسيوف والسهام والحجارة، وكالكتابة والبناء والتجارة، وسائر الأفعال من الصناعات وغيرها من الله تعالى وحده لا شريك له لا كسب للعباد فيها، ولغير هؤلاء أقوال زائدة على ما حكينا لا طائل في ذكرها.

  ونحن نذكر الأدلة العامة الشاملة لصحة ما ذكرنا من مذاهب أهل البيت $ ومن تابعهم من علماء الإسلام فيسقط بها إن شاء الله تعالى سائر هذه المذاهب، وما جانس شيئاً منها.

[استدلال القرشي على أن أفعال العباد منهم وإبطال الكسب]

  فنقول: الذي يدل على أن أفعال العباد حسنها وقبيحها منهم لا من الله تعالى - أنه سبحانه أمرهم ببعضها، ونهاهم عن بعضها، ولا يجوز أن يأمرهم أو ينهاهم عن فعله.

  وتحقيقه أن هذا الدليل مبني على أصلين:

  أحدهما: أن الله تعالى قد أمرهم ببعضها، ونهاهم عن بعضها.

  والثاني: أنه لا يجوز أن يأمرهم بفعله ولا ينهاهم عنه.

  فالذي يدل على الأول: ظاهر في الكتاب والسنة؛ فإنه تعالى قد أمرهم بالطاعات من أفعالهم كقوله: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ}⁣[البقرة: ٤٣]، ونهى سبحانه عن المعاصي بقوله: {وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ}