كتاب الشافي،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

[استدلال القرشي على أن أفعال العباد منهم وإبطال الكسب]

صفحة 493 - الجزء 2

  [الأنعام: ١٥١]، وما شاكله، وظهور ذلك يغني عن الإطناب في بيانه.

  وكذلك السنة الشريفة واردة بالأمر بالواجبات، والترغيب في المحسنات، والردع عن المحرمات، وهو مما لا خلاف فيه بين الأمة.

  والذي يدل على الثاني: هو أن الطاعات لو كانت من خلقه تعالى فيهم لم يكن للأمر بها وجه؛ لأنه إن خلقها كانت بغير أمر، وإن لم يخلقها لم تكن، ولو أمر بها كل حين، فلا يكون لأمره بها فائدة.

  وكذلك فالمعاصي لو كانت فعلاً له سبحانه يخلقها متى شاء لم يكن للنهي عنها وجه؛ لأنها متى خلقها وجدت، ولو نهى عنها أبلغ النهي، ومتى لم يخلقها لم توجد، ولو لم ينه عنها، فلا يكون للنهي عنها - والحال هذه - وجه، بل يكون كالنهي عن الألوان والصور، والطول والقصر؛ فكما أن النهي عن ذلك لا يجوز كذلك هذا، فلما علمنا حسن الأمر ببعض هذه الأفعال، وحسن النهي عن بعضها، مع علمنا بقبح الأمر بالصور والألوان وقبح النهي عنها - دل ذلك أن أفعال العباد منهم لا من الله تعالى، وهذا بيّن واضح، ويستوي في هذا الدليل المبتدأ من الأفعال وهو المباشر، والمتعدي منها وهو المتولد، وسوى هذا من الأدلة السمعية والعقلية ما لو استقصيناه لنفدت فيه الطوامير⁣(⁣١).

  وأما ما تعلق به كثير منهم - أعني المجبرة القدرية - من لفظ الكسب فلا معنى له؛ لأن الكسب إن كان هو الفعل فالله تعالى خالقه عندهم، وإن كان شيئاً غير الفعل لم يعقل.

  ثم قيل لهم مع ذلك: هل محدثه الله تعالى؟ رجعوا إلى مذهبهم الأول، أو محدثه العبد؟ أثبتوا للعبد فعلاً - فهم لا يقولون بذلك - وكان رجوعاً إلى الحق، وهو أن العبد محدث لتصرفه؛ فقد ظهر أن قولهم بالكسب عبارة فارغة لا معنى تحتها.


(١) جمع طومار وهو الصحيفة. أفاده القاموس.