[استدلال الفقيه في أفعال العباد بالعقل والشرع وتفنيد الإمام (ع) لكلامه]
  إلى إفحام الله ø؛ إذ لا يقول بإثبات خالق بما يستحق به العبادة أحد.
  وأما قوله: «إن العبد أحسن خلقاً من الله تعالى» - فقول باطل قال الله تعالى: {فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ ١٤}[المؤمنون]، والمراد أحسن الخالقين خلقاً؛ لأن الحسن من صفات الفعل هاهنا دون صفات الفاعل.
  وأما قوله: «وكذا قوله تعالى: {هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ}[لقمان: ١١]، فلو كان كما ادعت القدرية لكان لهم أن يقولوا: قد أريناك خلقنا أعمالنا».
  فالكلام عليه: أن الآية لا تدل على أن غير الله لا يفعل؛ لأن الكلام إنما يقتضي أمراً مخصوصاً، وأنه خلقه دون غيره، وإنما يدل بذلك على أن ما يدعونه من دون الله إلهاً لا يخلق ولا يملك ضراً ولا نفعاً وهو الصنم، ولو صح أن المراد بذلك الخلق لكان إنما يدل على أن الأشياء المعينة لا يخلقونها.
  وكذلك نقول: فإن الأجسام وما بها تكون أصولاً للنعم التي يستحق سبحانه بالإنعام بها العبادة لا يقدر عليها سواه سبحانه وتعالى، وبطل قول الفقيه: «قد أريناك خلقنا لأعمالنا»؛ لأنها ليست من أصول النعم، ولا العباد يقدرون على شيء منها؛ لأنها خارجة عن مقدور القادرين بالقُدر، وقد بينا ذلك فيما تقدم.
  وأما قوله: «دليل آخر، قوله سبحانه: {وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا}[الكهف: ٢٨]، فقوله: أغفلنا كقوله: أحيينا وأمتنا؛ فيكون المعنى خلقنا غفلة قلبه كما أنا أحيينا وأمتنا بمعنى خلق الحياة والموت، وكذلك قوله تعالى: {وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى ٤٣ وَأَنَّهُ هُوَ أَمَاتَ وَأَحْيَا ٤٤}[النجم]، فالمعنى أنه خلق الضحك(١) والبكاء كما خلق الموت والحياة، والضحك والبكاء كسب
(١) ضَحِك كعلم ضحكاً بالفتح وبالكسر وبكسرتين وككتف. انتهى من القاموس.