كتاب الشافي،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

[استدلال الفقيه في أفعال العباد بالعقل والشرع وتفنيد الإمام (ع) لكلامه]

صفحة 520 - الجزء 2

  للعبد يثاب على بعضه ويعاقب على بعضه، وفي القرآن ما يدل على ما ذكرنا كثير، وليس مقصودنا في هذه الرسالة استقصاء الأدلة.

  فالجواب: أما قوله تعالى: {وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا}⁣[الكهف: ٢٨]، فظاهره قد ينطلق على السهو الذي قد يكون من فعله تعالى، وينطلق على غيره؛ فلا يصح تعلقه به.

  وبعد، فإن الغفلة إذا استعملت فيما يفعله المرء من الجهل والتشاغل عن ذكر الله والطعن فيه لا يكون إلا مجازاً؛ لأن من هذا حاله هو ذاكر للشيء عالم به وبأحواله؛ فلا يوصف بأنه غافل.

  وخروج الكلام على طريق الذم يمنع أن يكون بظاهره ما قالوه؛ لأنه لو أغفل قلوبهم بأن منعهم من الإيمان بالذكر، لما جاز أن يذمهم، ولما صح أن يصفهم بأنهم اتبعوا الهوى، وليس يمتنع في الكلام أن يكون له ظاهر إذا تجرد فإذا اقترن به غيره أو علم أنه قصد به بعض الوجوه خرج عن ذلك الظاهر، والمراد بذلك: ولا تطع من صادفنا قلبه غافلاً ووجدناه كذلك، كما يقال في اللغة: أجبنت فلاناً وأفحمته، إذا صادفته كذلك، وهو ظاهر في اللغة.

  ويحتمل أنا عَرَّيْنَا قلبه عن سمة الإيمان كما قال تعالى: {أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ}⁣[المجادلة: ٢٢]، فبقي غفلاً لا سمة عليه، كما يقال: ناقة غفل؛ فصح أن يقال بذلك: أغفلنا قلبه.

  ومتى حمل على أحد هذين الوجهين لم يناقض قوله: {وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا ٢٨}⁣[الكهف]، لأن كل ذلك ذم لا يصح لو كان تعالى منعه من الإيمان بالذكر، وقد خرج الجواب عما حمله عليه الفقيه من خلق الغفلة في قلبه؛ لأنه لو كان على ما زعمه لم تخرج الآية مخرج الذم له؛ إذ ليس له في ذلك جرم، على أن الغفلة ليست بمعنى الخلق فيقال خلقها؛ لأنها بالمعنى الأول ترجع إلى السهو، وهو زوال العلم بغير نوم ولا علة، وعلى المعنى الثاني زوال علامة الإيمان التي