كتاب الشافي،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

[بحث حول القدرة ومتعلقاتها]

صفحة 534 - الجزء 2

  والذي يكشف عن صحة هذه الدلالة: أن الله سبحانه لما كان قادراً على إحداث جسم كان قادراً على إحداث ما في معناه، ولما استحال تعلق القدرة بالجمع بين الضدين الذين هما السواد والبياض وغير ذلك من المتضادات؛ لأن المحال في معنى المحال والجائز الممكن بمعنى الجائز الممكن صح ما قلناه.

  فالجواب: أن ما ذكره من قسمة الأفعال إما أن يكون تعالى قادراً على ما اكتسبه العبد أم لا؟ فإن قدر عليه صح مقدور بين قادرين وإن لم يقدر على جنسه بحال.

  فالجواب: أن ما قدمنا أن مقدوراً واحداً بين قادرين محال؛ لما في ذلك من جواز وجود الفعل وأن لا يوجد، وكون الشيء موجوداً معدوماً محال، فما أدى إليه وجب أن يكون محالاً، وهو القول بمقدور بين قادرين؛ لأن ما أدى إلى المحال فهو محال على ما تقدم من تفصيله⁣(⁣١).


(١) قال ¦ في التعليق: ينظر، فإن استحالة مقدور بين قادرين إنما يتم إذا فسر القادر بأنه من يصح منه إيجاد الفعل، وأن لا يوجد على كل حال.

وأمَّا إذا فسر بأنه من يصح منه إيجاد الفعل وترك إيجاده أي أن لا يوجد من جهته لم يلزم منه محال، فإذا أراد زيد تحريك جسم لداعٍ إليه فأوجد الحركة وأراد عمرو ترك تحريكه فقد حصل مرادهما.

أمَّا زيد فواضح وأمَّا عمرو فلم توجد الحركة من جهته؛ بل عدمت من جهته، فما⁣[⁣١] المانع من وقوع الحركة من جهتهما إذا كان الداعي لهما واحداً ولا صارف لأيهما عنها.

وأمَّا قولهم: لو أراد زيد الحركة وأراد عمر السكون ... إلخ - فليس امتناعه من جهة تفرعه على تقدير أن الحركة يصح كونها مقدورهما أو السكون، بل من حيث تأديته إلى التضاد، فهو بمعنى أن مقدورين متضادين بين قادرين محال، وليس هو ما نحن فيه، فلا بد من وجه آخر يمنع مقدور بين قادرين غير التمانع الذي كرر ذكره الإمام # فيحقق. تمت.

نعم، والأشاعرة تسلم استحالة مقدور بين قادرين من جهة، ومع بطلان الفرق إذا كان من جهتين يتم الرَّد عليهم بما ذكره الإمام إلزاماً لهم بما أصَّلوه إذا كان من جهة، ولذا يمنعون أكثر من قادرين. تمت.

[١] لعله يقال: إن كان المراد بوقوع الحركة من جهتهما اشتراكهما فيها كتحريك خشبة عظيمة أو نحوها فليس بمقدور بين قادرين لأن التحريك ليس مقدوراً لكل واحد وإنما هما بمنزلة قادر واحد، وإن كان المراد بوقوع الحركة من جهتيهما استقلال كل واحد منهما بالفعل فهو محال لأن الفعل لا يتعلق على جهة الاستقلال بأكثر من فاعل واحد كما لا يخفى والله أعلم. المحقق.