كتاب الشافي،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

[حسن تكليف من علم الله منه الكفر]

صفحة 568 - الجزء 2

  واحد، وقد ثبت أن العقلاء يمدحون من أدلى الحبلين، وقدم الطعام⁣(⁣١) ويعدونه


(١) قال ¦ في التعليق: وأمَّا الفرق بأنها ليس تقديم الطعام سبباً للضرر بخلاف التكليف فإنه سبب للعقاب.

فالجواب: أنه لا يعد فارقاً، لأن التكليف غَرَضٌ حَسَنٌ، ليترتب عليه المنافع العظيمة، وليس بموجب للعقاب، إنما [الموجب] العصيان، وترك الامتثال لأمر المالك المنعم، فكفر النعم هو السبب للعقاب، فالمثال فيه كمن قدم إلى غيره لحماً وأعطاه سكيناً ليقطع له من اللحم ليأكل وينتفع، فعمد ذلك المعطى إلى السكين فذبح نفسه لحمقه، فلا شك أنه لا لوم على من أعطاه اللحم والسكين وأنه محسن؛ لما كان ليس قصده إلاَّ الإحسان وليس ذلك هو السبب في تضرره بذبح نفسه، إنما الموجب سوء اختياره لحمقه.

فكذا التكليف من الله تعالى المنعم ليس هو السبب، بل السبب اختيار المنعَم عليه للعصيان، فاللوم على الأحمق الضار نفسه، وتعالى ربُّنا سبحانه عن فعل قبيح.

وأمَّا الفرق: بأن المقدم إليه الطعام مضطر إلى الطعام ليدفع به الجوع، وليس هو مضطر إلى التكليف ليدفع به ضرراً، بل كان من قُبْلُ لا له ولا عليه.

فالجواب: أنه لا فرق أيضاً، فإنه لما خلق لتعريضه على المنافع بالتكليف، وكان لا يمكن إيصالها إليه ابتداءً لاقترانها بالإجلال والتشريف، وكان في ترك الامتثال ضرر عليه من حيث إنه كفر نعمة يستحق عليه العقاب صار مضطراً إلى ما كلف به ليدفع الضرر الذي يوصله إليه الكفران.

والتكليف في نفسه إنما هو نعمة صِرْفَة لجلب نفع، كما أن الطعام لدفع ضرر، فإذا كان الطعام نعمة لأنه يدفع به ضرر، فكذلك التكليف نعمة لأنه لجلب نفع.

مع أنه لا يشترط في كون النعمة نعمة وإحساناً أن يكون المنعم عليه مضطراً إليها، وإلاَّ لانحصر الإحسان فيما به يدفع الضرر، ولا يقوله من له عقل، فكيف يفرق بين الذي يجلب النفع وبين الذي يدفع الضرر، أليس وجه الحسن فيهما واحداً؟

بل ذلك كمن أعطاك سكيناً حاداً لأن تنقش شوكة مؤلمة لك، ومن أعطاك مثله لتقطع لك به من اللحم والفواكه ونحو ذلك، فلا شك أنه لا فرق بينهما في كون كل منهما نعمة وتفضلاً، والحمد لله. تمت.

وممَّا يبيِّن أن التكليف ليس سبباً في العقاب: هو أن من أدلى إلى غريق حبلاً لينقذه به، فلم يرضَ أن يتشبث به؛ بل تعدى به حمقه إلى أن قطع الحبل، لا جرم أنه يستحق عقوبة على قطعه الحبل، فكما لا يقول عاقل: إن الحبل هو السبب، وإن المدلي له ليس بمحسن فكذا التكليف ليس سبباً في العقاب وإنما تفرع على العصيان كما تفرعت العقوبة على قطع الحبل، فأين السببيَّة فيهما؟! فإذاً لا يرد ما أعترض به في (المنهاج)، تأمل. تمت.