[بحث هام حول العموم والخصوص]
  وأيضاً فقد عرفنا أن بين أن يقول أحدنا: إن دخل زيد داري أكرمته، وبين أن يقول: من دخل داري أكرمته؛ فرقاً، ولا بد أن يكون هذا اللفظ يقتضي التخطي عن زيد إلى غيره؛ فإذا اقتضى التخطي عنه إلى غيره، فلا عاقل أولى بذلك من عاقل آخر، فالواجب أن يتخطى إلى الكل.
  وأيضاً فإنهم وضعوا الألفاظ بأن بعضها خاص، وبعضها عام، وفصلوا بينهما، كفصلهم بين الأمر والنهي، والخبر والاستخبار، وحكموا بأنهما يجريان مجرى النقيضين، كالكذب والصدق، وفصلوا بين حكميهما، فلولا أن في كلامهم لفظاً موضوعاً للعموم، كما أن في كلامهم لفظاً موضوعاً للخصوص، لكان هذا الفصل لا يصح، ولو كان ذلك اللفظ كالمشترك ولم يوضع للعموم دون الخصوص، لكانوا لا يقسمون الكلام هذا التقسيم، وكما أن لفظ الأمر موضوع له ولا يكون مشتركاً، فكذلك لفظ العموم.
  يبين ذلك أنهم خصوا للشمول لفظاً، وللخصوص لفظاً، كما خصوا للأمر لفظاً لما قالوا: خرج مخرج الأمر.
  يبين ذلك أنا قد عرفنا أنهم في القحط الشامل والبلاء المستغرق، يقولون: عمهم القحط، وعمهم البلاء، وقد علمنا أن ذلك مجاز في القحط؛ لأنه لا يطرد في سائر الأمور التي تشملهم، ولا يجوز أن يكون اللفظ المفيد مجازاً ولا حقيقة له، فيجب أن يكون حقيقة قولهم عام في اللفظ الذي وضع للشمول والاستغراق؛ لأنه لو لم يكن كذلك، لكان يجب أن يكون هذا المجاز لا حقيقة له، على أنهم فصلوا بين تأكيد العموم وبين تأكيد الخصوص، والتأكيد لا بد أن يطابق المؤكد، فكما أن تأكيد العموم لا يصلح للخصوص، فالواجب أن يقال في كلامهم: لفظ موضوع للشمول لم يوضع لغيره.
  فصح لك بما ذكرنا أن هذه اللفظة وما جانسها من ألفاظ العموم، دون أن تكون خاصة على قول أهل الخصوص، سواء حملوها عند ورودها على ثلاثة، أو