[بحث هام حول العموم والخصوص]
  فالجواب:
  أما قوله: «على أن أصحاب الخصوص يدعون ضد ما ذهبتم إليه، ويقولون بأن هذه الألفاظ وضعت بإطلاقها للخصوص، وإنما تحمل على العموم بدليل وقرينة».
  فالجواب عنه: أن حقيقة العموم: اللفظة التي تفيد فيما تقع عليه ما وضعت له، على وجه لا تخصيص للبعض عن(١) البعض، بل تبلغ في الشمول نهاية ما تصح فيه، حتى تكون هذه كاللفظة التي تقتضي الخاص الذي من حقه أن يبلغ نهاية التخصيص، فإذا كان الخاص هو أسماء الأعلام، كزيد وعمرو، الذي بوضعه لا يختص إلا بواحد بعينه، فالعموم يجب أن يكون بالضد من ذلك، فلا بد فيما وضع له أن يزول عنه طريقة الاختصاص، ولا يكون كذلك إلا وكل ما وقع عليه يستغرقه ويشمله، فكما أن الخاص يجب أن يكون ذلك فيه في أصل وضعه، وهو أن لا يدخل عليه داخل في زيادة أو غيرها، فكذلك العموم.
  ولهذا لم نقل في الجمع الثلاثة إنه عموم؛ لخروجه عن الطريقة التي ذكرناها، وكذلك القول في ألفاظ العدد؛ لأنها تختص المقادير، فهي كالأعلام التي تختص الأشخاص، وإن كان لا تقع إلا على قدر، كما لا يقع اللقب إلا على شكل مخصوص.
  فأما ما يدل على صحة قولنا بالعموم، فما قدمنا من أن قولنا: (مَنْ) في المجازاة والاستفهام موضوع للشمول، ويبين ذلك: أنه لا عاقل إلا ويجوز أن يستثنى منه، والاستثناء موضوعه يقتضي أن يخرج من الكلام ما لولاه لوجب دخوله تحته، فإذا كان لا عاقل إلا ويجوز استثناؤه منه، وجب القضاء بأنه لولا الاستثناء لكان مستغرقاً لكل عاقل.
(١) – في (نخ): من.