كتاب الشافي،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

[حوار حول العفو عن الفاسق]

صفحة 95 - الجزء 3

  فالجواب: أن هذه منه بهت، بل نقول كما قال الله تعالى: {وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ}⁣[آل عمران: ١٣٥].

  وأما قوله: «كما ذكرنا في رسالتنا هذه من تقسيمهم للذنوب، وما حكموا على الله فيها».

  فالجواب: أما ما ذكره فقد وقع الجواب عنه، وأما تقسيم الذنوب فلا شك أن فيها الصغائر وفيها الكبائر، وفي الكبائر فسق وكفر، وكل واحد منها له حكم بخلاف الآخر، كما قال تعالى: {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ}⁣[النساء: ٣١]، وقد بين أن ثم كبائر وصغائر مما نهى عنه، ولم ينه إلا عن المعاصي، وهذه أمور دلت عليها أدلة العقول، ومحكم التنزيل، وسنة الرسول ÷، فلا لوم على من وافق هذه الأدلة، بل اللوم لازم لمن خالفها، أو شيئاً منها، على ما ألزمنا به الفقيه وأهل نحلته ذلك فيما سبق.

  وأما قوله: «وأما ما يدل على ذلك من حجج العقل، فهو أنه قد ثبت أن الإجرام والذنوب كلها حق لله تعالى، له أخذه واستيفاؤه، وله تركه والعفو عنه والتجاوز؛ لأنه إذا كان الحق له وجب أن يكون إن استوفاه فإنما استوفى حقه، وإن تركه فإنما ترك حق نفسه، وجرى ذلك مجرى التفضل بأنواع اللذات والنعم، التي هي غير مستحقة عليه، فإن شاء قطعها ومنعها عمن شاء أن لا يتفضل عليه، وإن شاء تفضل بها، فصح ما قلناه».

  فالجواب: أنا كنا لا نمنع من أن يسقط سبحانه ما يستحقه من عقاب العصاة، لكن قد أخبر سبحانه أنه يفعله، فقد كان من الجائز في العقل أن يفعله تعالى لأنه حقه وله استيفاؤه، ومن الجائز إسقاطه لأنه له وليس في إسقاطه إسقاط حق لغيره، لكن ورد السمع بأحد الجائزين⁣(⁣١)، وهو القطع على عقابهم،


(١) قال ¦ في التعليق: بل إخبار الله تعالى أنه يفعله يكشف لنا أن فعله أرجح من تركه؛ بل يجب فعله، وذلك لأن الإغراء بالقبيح قبيح، فلو جوز العبد العفو مع فرط شهوته لكان لا محالة لا يَنْزَجِر =