كتاب الشافي،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

[حوار حول العفو عن الفاسق]

صفحة 96 - الجزء 3

  فمنع من تجويز العفو بعد ذلك، قال الله سبحانه: {مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ ٢٩}⁣[ق]، وقال تعالى: {وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ ١٣}⁣[السجدة].

  وعلى أنه إن وقف عند تعليله، وهو أنه حق له تعالى وله أن يسقطه، لزمه ذلك في الكفار لهذه العلة؛ فإن عقاب الكفار حق له سبحانه، كما أن عقاب الفساق حق له سبحانه؛ فإن وقف عن القطع على عقاب الفساق لأنه حق له، لزمه أن يقف عن القطع على عقاب الكفار لأنه حق له تعالى؛ فيكون ذلك خارقاً لإجماع الأمة على عقاب الكفار لا محالة، وراداً لما علم من دين النبي ÷ من أن الكفار مخلدون في النار.

  ثم قال: «وأما قوله [أي محيي الدين]: على أن مثل هذه الآية وردت عقيب آية المواريث، وليس فيما يليها ذكر كافر وردت فيه - فَجَهْلٌ مِن قائله، بل لما ذكر تعالى آية المواريث والحقوق المستحقة فيها لمن يستحقها، ذكر بعد هذا المؤمن والكافر وصفتهما فقال: {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ..} الآية [النساء: ١٣]، {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا ..} الآية [النساء: ١٤]، يعني أن المؤمن ينبغي له مع إيمانه وصلاته وصيامه واجتهاده، أن يؤدي الحقوق إلى أهلها على ما ذكر تعالى، فهذه


= عن قبيح أصلاً، فإنه من المشاهد الآن إنهماكه في المعاصي مع الوعيد الأكيد، فكيف لو لم يكن وعيد؟ فإذا قضى العقل بوجوب الزجر لئلا يؤدي تركه إلى فعل القبيح فيحصل الإغراء، كان موجباً للوعيد الذي به يقطع الزجر. وإذا توعد الله وأخبر بأنه يوصل الضرر بمن ارتكب القبائح وترك ما يجب عليه، وجب أن لا يتخلف؛ لأنه تعالى غني عالم بقبح الكذب فلا يجوز أن يخلف وعيده، وعلى أنه لو جاز وجوَّز أن يخلف وعيده لم يحصل المقصود من الزجر على أبلغ الوجوه، ولذا أكَّدَ سبحانه هذا المعنى بمثل قوله تعالى: {مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ}⁣[ق: ٢٩]، وقوله تعالى: {لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ} ... إلخ [النساء: ١٢٣]. فقول الإمام: إن العفو أحد الجائزين ليس على الإطلاق وإنما هو مع عدم تأديته إلى الإغراء، فتأمل، والله أعلم.