كتاب الشافي،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

[حوار حول العفو عن الفاسق]

صفحة 97 - الجزء 3

  صفة المؤمن، فهو مستحق الجنة بوعد الله، وأن الكافر مع كفره وضلاله مانع للحقوق متعد فيها، فهو مستحق للنار بوعيد الله».

  فالجواب: أن الآية متى كانت مستقلة بنفسها في الإفادة؛ لم يجز طلب فائدتها من آية أخرى؛ لأنه مهما أمكن حمل كلام الحكيم على فوائد جمة لا تخالف العقل ومحكم الكتاب، لم يجز الاقتصار على بعضها لغير وجه، ما لم يكن بينها تناف؛ فكيف يقطع الآية عن الإفادة أصلاً مع إمكانها؟ وحملها على فائدة آية أخرى؟ لولا التعسف في التأويل بغير دليل.

  ثم قال: «وأما قوله [أي محيي الدين]: وقد ظهر له الجواب عما استبعده من الخلود، لمن عزم على شرب جرعة خمر - فكلام ساقط؛ إذ بان أنه لم يظهر له في ذلك جواب».

  فالجواب: أنه قد ظهر الجواب بما قدمنا من الآيات من قوله تعالى: {وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا ٤٩}⁣[الكهف]، والعزم من جملة الأعمال، وقوله تعالى: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ ٧ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ٨}⁣[الزلزلة].

  بل كل آية فيها ذكر العمل والفعل وما شاكله، تدخل تحتها العزوم والنيات، ولا يستهون بالعزم إلا الجاهل، فإنه يُفَرَّق بين السجدتين، وتكون إحداهما إيماناً بأن ينوي بها عبادة الله تعالى، وتكون الثانية كفراً بأن ينوي بها عبادة الصنم أو النفاق، وهما في الصورة سواء.

  وقد تقرر عند الجميع أن من اعتقد تحليل الخمر بقلبه، وإن لم يلفظ به لسانه ولا يشربه؛ فإنه يكفر بذلك، ويستحق الخلود في النار بالإجماع؛ فكيف يستبعد ما ذكر؟ لولا غفلة الخذلان، وعمى القلوب لا الأعيان.