[الجواب على من قال: إن الله يغفر للعاصي الموحد]
  ثم قال [أي فقيه الخارقة]: «وأما ما استدل به(١) من قوله سبحانه: {وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا}[الأنعام: ١٣٢]، {وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا ٤٩}[الكهف]، فاستدلال صحيح، أي لا يظلمه جزاء عمله(٢)، غير أنه أخطأ تلاوة الآية وبدل القرآن، وشغله عن معرفة لفظه فضلاً عن معناه ما ابتلى به من المنازعة في اعتقاده للمليك الديان، وتكذيب النبي ÷ فيما أخبر به، والطعن على أبي بكر وعمر وعثمان، وتلاوة الآية على ما أنزل الله ø: {وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ ١٣٢}[الأنعام]، وقال في آية أخرى: {وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا ٤٩}[الكهف]».
  فالجواب: أنه اشتغل عن المراد بالآية، وأخذ في السب والأذية وادعاء الخطأ، في أن جعل آخر الآية من غيرها، ولو عقل لعرف فإن موضع الاحتجاج أول الآية، وهو قوله تعالى: {وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا} وهو كاف عما أراد ذكره من أن الأعمال تقع عليها المكافاة، الحسنات منها والسيئات، خلاف ما
(١) الضمير يعود على محيي الدين.
(٢) قوله [أي الفقيه]: (فاستدلال صحيح أي لا يظلمه جزاء عمله).
قال رضوان الله عليه في التعليق: هذا من أبلغ الرد على المجبرة؛ حيث قالوا: لا يقبح من الله قبيح، وإن الظلم في حقه مستحيل. فإن الآية هنا مصرحة بأن نقص الجزاء من الثواب، والزيادة عليه من العقاب ظلم، وقد أقر الفقيه بهذا ونسي أصل مذهبه، وأن هذا يعود عليه بالنقض، وأنه لا يصح أن يتمدح الله تعالى بأنه لا يفعل المحال.
وهل يتصور المؤمن أو يُقَدِّر وقوع المحال حتى يخاف منه فيؤمنه تعالى، فيقول: {فَلَا يَخَافُ ظُلْمًا وَلَا هَضْمًا ١١٢}[طه]؛ لأنه إذا جوز أن ينقص من الثواب أو يزاد في عقابه، لا جرم أنه يكون خوفه باقياً على أبلغ الوجوه، ولا يرفع خوفه مع جواز أن يخلده الله في العذاب أو ينقصه من جزاء أعماله كونه لا يسمى ما يقع به ظلماً؛ لأنه لا يقبح منه تعالى قبيح.
أيسلو ويأمن بهذه الصفة وهو يُجَوِّز وقوعه في العذاب الأليم، وينفعه كونه لا يسمى ظلماً، بل كونه يسمى ظلماً أقرب إلى التسلي من أن يعذب بغير استحقاق، ومع ذلك يعتقد أنه عدل فلا يصح منه شكاية ولا تظلم؛ بل يصبر على العدل، وهذا واضح بحمد لله.